(كَلالَةً) من قوله تعالى : (وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ) [النساء : ١٢] فقال : أخبروني ما «الكلالة» ، فقالوا له : الورثة إذا لم يكن فيهم أب فما علا ولا ابن فما سفل ؛ فقال : فهي إذا تمييز ؛ وتوجيه قوله أن يكون الأصل : وإن كان رجل يرثه كلالة ، ثم حذف الفاعل وبني الفعل للمفعول ، فارتفع الضّمير واستتر ، ثم جيء بـ «كلالة» تمييزا ، ولقد أصاب هذا النحويّ في سؤاله ، وأخطأ في جوابه ؛ فإن التمييز بالفاعل بعد حذفه نقض للغرض الذي حذف لأجله ، وتراجع عمّا بنيت الجملة عليه من طيّ ذكر الفاعل فيها ؛ ولهذا لا يوجد في كلامهم مثل : «ضرب أخوك رجلا» ، وأما قراءة من قرأ (يُسَبِّحُ لَهُ فِيها بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ (٣٦) رِجالٌ) [النور : ٣٦ ـ ٣٧] بفتح الباء ـ فالذي سوّغ فيها أن يذكر الفاعل بعد ما حذف أنه إنما ذكر في جملة أخرى غير التي حذف فيها.
وكإعراب هذا المعرب «كلالة» تمييزا قول بعضهم في هذا البيت [من الرجز] :
٦٩٢ ـ يبسط للأضياف وجها رحبا |
|
بسط ذراعيه لعظم كلبا (١) |
إنّ الأصل : كما بسط كلب ذراعيه ، ثم جيء بالمصدر وأسند للمفعول فرفع ، ثم أضيف إليه ، ثم جيء بالفاعل تمييزا.
والصّواب في الآية أنّ (كَلالَةً) بتقدير مضاف ، أي : ذا كلالة ، وهو إمّا حال من ضمير (يُورَثُ) فـ «كان» ناقصة ، و «يورث» خبر ، أو تامّة فـ «يورث» صفة ؛ وإما خبر فـ «يورث» صفة ؛ ومن فسّر «الكلالة» بالميت الذي لم يترك ولدا ولا والدا فهي أيضا حال أو خبر ، ولكن لا يحتاج إلى تقدير مضاف ؛ ومن فسّرها بالقرابة فهي مفعول لأجله.
أما البيت فتخريجه على القلب ، وأصله : كما بسط ذراعه كلبا ، ثم جيء بالمصدر وأضيف للفاعل المقلوب عن المفعول ، وانتصب كلبا على المفعول المقلوب عن الفاعل.
وها أنا مورد بعون الله أمثلة متى بني فيها على ظاهر اللّفظ ولم ينظر في موجب المعنى حصل فساد ، وبعض هذه الأمثلة وقع للمعربين فيه وهم بهذا السبب ، وسترى ذلك معيّنا.
فأحدها : قوله تعالى : (أَصَلاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ ما يَعْبُدُ آباؤُنا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي
__________________
(١) البيت من الرجز ، وهو بلا نسبة في لسان العرب مادة (صفح) ، وكتاب العين ٥ / ٢٧ ، وتاج العروس مادة (صفح).