أَمْوالِنا ما نَشؤُا) [هود : ٨٧] فإنه يتبادر إلى الذّهن عطف (أَنْ نَفْعَلَ) على (أَنْ نَتْرُكَ ،) وذلك باطل ؛ لأنه لم يأمرهم أن يفعلوا في أموالهم ما يشاؤون ، وإنما هو عطف على «ما» ؛ فهو معمول لـ «الترك» والمعنى : أن نترك أن نفعل ، نعم من قرأ «تفعل» و «تشاء» ـ بالتاء لا بالنون ـ فالعطف على (أَنْ نَتْرُكَ.)
وموجب الوهم المذكور أن المعرب يرى «أن» والفعل مرّتين ، وبينهما حرف العطف.
ونظير هذا سواء أن يتوهم في قوله [من الكامل] :
٦٩٣ ـ لن ما رأيت أبا يزيد مقاتلا |
|
أدع القتال وأشهد الهيجاء (١) |
أن الفعلين متعاطفان ، حين يرى فعلين مضارعين منصوبين ، وقد بيّنت في فصل «لمّا» أن ذلك خطأ ، وأنّ «أدع» منصوب بـ «لن» ، وأشهد معطوف على القتال.
الثاني : قوله تعالى : (وَإِنِّي خِفْتُ الْمَوالِيَ مِنْ وَرائِي) [مريم : ٥] فإن المتبادر تعلّق «من» بـ «خفت» ، وهو فاسد في المعنى ، والصواب تعلّقه بالموالي ، لما فيه من معنى الولاية ، أي : خفت ولايتهم من بعدي وسوء خلافتهم ، أو بمحذوف هو حال من «الموالي» أو مضاف إليهم ، أي : كائنين من ورائي ، أو فعل الموالي من ورائي ؛ وأما من قرأ (خِفْتُ) بفتح الخاء وتشديد الفاء وكسر التاء ـ فـ «من» متعلّقة بالفعل المذكور.
الثالث : قوله تعالى : (وَلا تَسْئَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كَبِيراً إِلى أَجَلِهِ) [البقرة : ٢٨٢] فإن المتبادر تعلّق «إلى» بـ «تكتبوه» ، وهو فاسد ؛ لاقتضائه استمرار الكتابة إلى أجل الدّين ، وإنما هو حال ، أي : مستقرّا في الذمّة إلى أجله.
ونظيره قوله تعالى : (فَأَماتَهُ اللهُ مِائَةَ عامٍ) [البقرة : ٢٥٩] فإن المتبادر انتصاب «مائة» بـ «أماته» ، وذلك ممتنع مع بقائه على معناه الوضعيّ ، لأن الإماتة سلب الحياة وهي لا تمتدّ ، والصواب أن يضمّن «أماته» معنى «ألبثه» ، فكأنه قيل : فألبثه الله بالموت مائة عام ، وحينئذ يتعلّق به الظرف بما فيه من المعنى العارض بالتّضمين ، أي : معنى اللبث لا معنى الإلباث ، لأنه كالإماتة في عدم الامتداد ؛ فلو صحّ ذلك لعلّقناه بما فيه من معناه
__________________
(١) البيت من البحر الكامل ، وهو بلا نسبة في الاشباه والنظائر ٢ / ٢٣٣ ، والخصائص ٢ / ٤١١ وشرح الاشموني ٣ / ٥٥٢.