الوضعيّ ، ويصير هذا التعلّق بمنزلته في قوله تعالى : (قالَ لَبِثْتُ يَوْماً أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ قالَ بَلْ لَبِثْتَ مِائَةَ عامٍ) [البقرة : ٢٥٩].
وفائدة التّضمين : أن يدلّ بكلمة واحدة على معنى كلمتين ، يدلّك على ذلك أسماء الشرط والاستفهام.
ونظيره أيضا قوله عليه الصلاة والسّلام : «كلّ مولود يولد على الفطرة حتّى يكون أبواه هما اللّذان يهوّدانه وينصّرانه» لا يجوز أن يعلق «حتى» بـ «يولد» ، لأنّ الولادة لا تستمر إلى هذه الغاية ، بل الذي يستمر إليها كونه على الفطرة ؛ فالصواب تعليقها بما تعلقت به «على» ، وأن «على» متعلّقة بكائن محذوف منصوب على الحال من الضمير في «يولد» ، و «يولد» خبر «كلّ».
الرابع : قول الشاعر [من الطويل] :
٦٩٤ ـ تركت بنا لوحا ، ولو شئت جادنا |
|
بعيد الكرى ثلج بكرمان ناصح (١) |
فإن المتبادر تعلّق «بعيد الكرى» بـ «جاد» ، والصواب تعلقه بما في «ثلج» من معنى «بارد» ، إذ المراد وصفها بأن ريقها يوجد عقب الكرى باردا ، فما الظنّ به في غير ذلك الوقت؟ لا أنه يتمنّى أن تجود له به بعيد الكرى دون ما عداه من الأوقات ، و «اللّوح» ـ بفتح اللام ـ العطش.
الخامس : قوله تعالى : (فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ) [الصافات : ١٠٢] فإن المتبادر تعلّق «مع» بـ «بلغ» ؛ قال الزمخشري : أي فلمّا بلغ أن يسعى مع أبيه في أشغاله وحوائجه ، قال : ولا يتعلّق «مع» بـ «بلغ» لاقتضائه أنهما بلغا معا حدّ السعي ؛ ولا بـ «السعي» ، لأن صلة المصدر لا تتقدّم عليه ، وإنما هي متعلّقة بمحذوف على أن يكون بيانا ، كأنه قيل : فلما بلغ الحدّ الذي يقدر فيه على السعي ، فقيل : مع من؟ فقيل : مع أعطف الناس عليه وهو أبوه ، أي : أنه لم يستحكم قوته بحيث يسعى مع غير مشفق.
السادس : قوله تعالى : (اللهُ أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ) [الأنعام : ١٢٤] فإن المتبادر أن حيث ظرف مكان ، لأنه المعروف في استعمالها ؛ ويردّه أن المراد أنه تعالى يعلم المكان المستحقّ للرسالة ، لا أن علمه في المكان ؛ فهو مفعول به ، لا مفعول فيه ،
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو لجرير في ديوانه ص ٢٦٦ ، وشرح شواهد المغني ص ٨٩٠ ، وبلا نسبة في تخليص الشواهد ص ١٦٦.