ولا يكون مفعولا به لـ «يحذركم» كما في (وَأَنْذِرْهُمْ يَوْمَ الْآزِفَةِ) [غافر : ١٨] لأن «يحذر» قد استوفى مفعوليه ، وإنما هو نصب بمحذوف تقديره : اذكروا أو احذروا.
وأما امتناع تعليقه بالأوّل ـ وهو رأي جماعة منهم الزمخشري ـ فلاستلزامه الفصل بين المصدر ومعموله بالأجنبيّ ، ولهذا قالوا في قوله [من الطويل] :
٧٠٣ ـ وهنّ وقوف ينتظرن قضاءه |
|
بضاحي غداة أمره وهو ضامز (١) |
إن الباء متعلقة بـ «قضائه» ، لا بـ «وقوف» ولا بـ «ينتظرن» ، لئلا يفصل بين «قضائه» و «أمره» بالأجنبي ؛ ولا حاجة إلى تقدير ابن الشجري وغيره أمره معمولا لـ «قضى» محذوفا لوجود ما يعمل ، ونظير ما لزم الزمخشريّ هنا ما لزمه إذ علق (يَوْمَ تُبْلَى السَّرائِرُ) (٩) [الطارق : ٩] بـ «الرجع» من قوله تعالى : (إِنَّهُ عَلى رَجْعِهِ لَقادِرٌ) (٨) [الطارق : ٨] ، وإذ علّق «أياما» بـ «الصيام» من قوله تعالى : (كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيامُ كَما كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ (١٨٣) أَيَّاماً مَعْدُوداتٍ) [البقرة : ١٨٣ ـ ١٨٤] ، فإنّ في الأولى الفصل بخبر «إنّ» وهو لـ «قادر» ، وفي الثاني الفصل بمعمول «كتب» وهو كما كتب.
فإن قيل : لعلّه يقدر (كَما كُتِبَ) صفة لـ «الصيام» ، فلا يكون متعلّقا بـ «يكتب».
قلنا : يلزم محذور آخر ، وهو إتباع المصدر قبل أن يكمل معموله ، ونظير اللازم له على هذا التقدير ما لزمه إذ قال في قوله تعالى : (وَصَدٌّ عَنْ سَبِيلِ اللهِ وَكُفْرٌ بِهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرامِ) [البقرة : ٢١٧] : إن «المسجد» عطف على «سبيل الله» ، وإنه حينئذ من جملة معمول المصدر ، وقد عطف (كفر) على المصدر قبل مجيئه.
والصواب أن الظروف الثلاثة متعلّقة بمحذوف ، أي : مقتكم إذ تدعون ، وصوموا أياما ، ويرجعه يوم تبلى السرائر ، ولا ينتصب «يوم» بـ «قادر» ، لأن قدرته تعالى لا تتقيّد بذلك اليوم ولا بغيره ، ونظيره في التعلّق بمحذوف (يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلائِكَةَ لا بُشْرى يَوْمَئِذٍ لِلْمُجْرِمِينَ) [الفرقان : ٢٢] ألا ترى أن «اليوم» لو علّق بـ «بشرى» لم يصحّ من وجهين : أنه مصدر ، وأنه اسم لـ «لا» ، وأما (أَلا يَوْمَ يَأْتِيهِمْ لَيْسَ مَصْرُوفاً عَنْهُمْ) [هود : ٨] فعلى الخلاف في جواز تقدّم منصوب «ليس» عليها.
والصواب أن خفض (المسجد) بباء محذوفة لدلالة ما قبلها عليها ، لا بالعطف ،
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو للشماخ في ديوانه ص ١٧٧ ، وجمهرة اللغة ص ١٣٢١ ، شرح شواهد المغني ٢ / ٨٩٥ ، ولسان العرب ٥ / ٣٦٥ مادة / ضمز /.