ومجموع الجارّ والمجرور عطف على (به) ، ولا يكون خفض «المسجد» بالعطف على الهاء ، لأنه لا يعطف على الضمير المخفوض إلا بإعادة الخافض.
ومن أمثلة ذلك قول المتنبي [من الطويل] :
٧٠٤ ـ وفاؤكما كالرّبع أشجاه طاسمه |
|
بأن تسعدا والدّمع أشفاه ساجمه (١) |
وقد سأل أبو الفتح المتنبي عنه ، فأعرب «وفاؤكما كالربع» مبتدأ وخبره ، وعلق الباء بـ «وفاؤكما» ، فقال له : كيف تخبر عن اسم لم يتمّ؟ فأنشده قول الشاعر [من البسيط] :
٧٠٥ ـ لسنا كمن جعلت إياد دارها |
|
تكريت تمنع حبّها أن يحصدا (٢) |
أي أن «إياد» بدل من «من» قبل مجيء معمول «جعلت» وهو «دارها» ، والصواب تعليق «دارها» وب «أن تسعدا» بمحذوف ، أي : جعلت ووفيتما ، ومعنى البيت : وفاؤكما يا صاحبي بما وعدتماني به من الإسعاد بالبكاء عند ربع الأحبة إنما يسلّيني إذا كان بدمع ساجم ، أي : هامل ، كما أن الربع إنما يكون أبعث على الحزن إذا كان دارسا.
الثالث : تعليق جماعة الظروف من قوله تعالى : (لا عاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللهِ) [هود : ٤٣] ، (لا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ) [يوسف : ٩٢] ، ومن قوله عليه الصلاة والسّلام : «لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت» ، باسم «لا» ، وذلك باطل عند البصريّين ، لأن اسم «لا» حينئذ مطول ، فيجب نصبه وتنوينه ، وإنما التعليق في ذلك بمحذوف إلا عند البغداديّين ، وقد مضى.
والرابع : وهو عكس ذلك : تعليق بعضهم الظّرف من قوله تعالى : (وَلَوْ لا فَضْلُ اللهِ عَلَيْكُمْ) [النساء : ٨٣] بمحذوف : أي كائن عليكم ، وذلك ممتنع عند الجمهور ، وإنما هو متعلّق بالمذكور وهو «الفضل» ، لأن خبر المبتدأ بعد «لولا» واجب الحذف ، ولهذا لحّن المعرّي في قوله [من الوافر] :
٧٠٦ ـ يذيب الرّعب منه كلّ عضب |
|
فلولا الغمد يمسكه لسالا (٣) |
__________________
(١) البيت من البحر الطويل ، انظر : قرى الضيف ١ / ١٨٢ ، ودلائل الإعجاز ص ٧٩ ، والخصائص ٢ / ٤٠٣.
(٢) البيت من الكامل ، وهو للأعشى في ديوانه ص ٢٨١ ، ولسان العرب ١٣ / ٤١٩ مادة / مننى / بلا نسبة في الخصائص ٢ / ٤٠٢.
(٣) البيت من الوافر ، وهو لأبي العلاء المعري في أوضح المسالك ١ / ٢٢١ ، والجني الداني ص ٦٠٠ ، والدرر ٢ / ٢٧ ، ورصف المباني ص ٢٩٥.