الخامس : قول بعضهم في (وَمِنْ ذُرِّيَّتِنا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ) [البقرة : ١٢٨] : إن الظّرف كان صفة لـ «أمة» ، ثم قدم عليها فانتصب على الحال ، وهذا يلزم منه الفصل بين العاطف والمعطوف بالحال ، وأبو عليّ لا يجيزه بالظرف ، فما الظن بالحال التي هي شبيهة بالمفعول به؟ ومثله قول أبي حيّان في (فَاذْكُرُوا اللهَ كَذِكْرِكُمْ آباءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْراً) [البقرة : ٢٠٠] إن (أَشَدَّ) حال كان في الأصل صفة لذكرا.
السادس : قول الحوفي : إن الباء من قوله تعالى : (فَناظِرَةٌ بِمَ يَرْجِعُ الْمُرْسَلُونَ) [النمل : ٣٥] متعلّقة بـ «ناظرة» ، ويردّه أن الاستفهام له الصّدر ؛ ومثله قول ابن عطيّة في (قاتَلَهُمُ اللهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ) [التوبة : ٣٠] : إنّ «أنّى» ظرف لـ «قاتلهم الله» ، وأيضا فيلزم كون «يؤفكون» لا موقع لها حينئذ ، والصواب تعلّقهما بما بعدهما.
ونظيرهما قول المفسّرين في (ثُمَّ إِذا دَعاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ) [الروم : ٢٥] : إن المعنى إذا أنتم تخرجون من الأرض ، فعلّقوا ما قبل «إذا» بما بعدها ، حكى ذلك عنهم أبو حاتم في كتاب الوقف والابتداء ، وهذا لا يصحّ في العربيّة.
وقول بعضهم في (مَلْعُونِينَ أَيْنَما ثُقِفُوا أُخِذُوا) [الأحزاب : ٦١] : إن «ملعونين» حال من معمول «ثقفوا» أو «أخذوا» ، ويردّه أن الشّرط له الصّدر. والصواب أنه منصوب على الذم ، وأما قول أبي البقاء إنه حال من فاعل (يُجاوِرُونَكَ) فمردود ، لأن الصّحيح أنه لا يستثنى بأداة واحدة دون عطف شيئان.
وقول آخر في (وَكانُوا فِيهِ مِنَ الزَّاهِدِينَ) [يوسف : ٢٠] : إنّ «في» متعلقة بـ «زاهدين» المذكور ، وهذا ممتنع إذا قدرت «أل» موصولة وهو الظاهر ، لأن معمول الصّلة لا يتقدّم على الموصول ، فيجب حينئذ تعلّقها بـ «أعني» محذوفة ، أو بـ «زاهدين» محذوفا مدلولا عليه بالمذكور ، أو بالكون المحذوف التي تعلّق به من «الزاهدين» ؛ وأمّا إن قدرت «أل» للتعريف فواضح.
السابع : قول بعضهم في بيت المتنبي يخاطب الشيب [من البسيط] :
٧٠٧ ـ ابعد بعدت بياضا لا بياض له |
|
لأنت أسود في عيني من الظّلم (١) |
إن «من» متعلقة بـ «أسود» ، وهذا يقتضي كونه اسم تفضيل ، وذلك ممتنع في
__________________
(١) البيت من البحر البسيط ، انظر : قرى الضيف ١ / ١٩٤.