إن «هو» ضمير الشأن ، و «أن يعمر» : مبتدأ ، و «بمزحزحه» : خبر ، ولو كان كذلك لم يدخل الباء في الخبر.
ونظيره قول آخر في حديث بدء الوحي «ما أنا بقارىء» : إن «ما» استفهامية مفعولة لـ «قارىء» ، ودخول الباء في الخبر يأبى ذلك.
الثاني عشر : قول الزمخشري في (أَيْنَما تَكُونُوا يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ) [النساء : ٧٨] فيمن رفع «يدرك» : إنه يجوز كون الشّرط متّصلا بما قبله ، أي : ولا تظلمون فتيلا أينما تكونوا ؛ يعني فيكون الجواب محذوفا مدلولا عليه بما قبله ، ثم يبتدى (يُدْرِكْكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ) [النساء : ٧٨] ، وهذا مردود بأن سيبويه وغيره من الأئمة نصّوا على أنه لا يحذف الجواب إلا وفعل الشّرط ماض ، تقول : «أنت ظالم إن فعلت» ولا تقول : «أنت ظالم إن لم تفعل» إلا في الشعر ؛ وأما قول أبي بكر في كتاب الأصول : إنه يقال : «آتيك إن تأتني» فنقله من كتب الكوفيّين ، وهم يجيزون ذلك ، لا على الحذف ، بل على أن المتقدّم هو الجواب ، وهو خطأ عند أصحابنا ، لأن الشّرط له الصّدر.
الثالث عشر : قول بعضهم في (بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمالاً) [الكهف : ١٠٣] : إن (أَعْمالاً) مفعول به ، وردّه ابن خروف بأن «خسر» لا يتعدّى كنقيضه «ربح» ، ووافقه الصفار مستدلّا بقوله تعالى : (كَرَّةٌ خاسِرَةٌ) [النازعات : ١٢] ، إذ لم يرد أنها خسرت شيئا ، وثلاثتهم ساهون ، لأن اسم التفضيل لا ينصب المفعول به ، ولأن «خسر» متعدّ ؛ ففي التنزيل : (الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ) [الأنعام : ١٢] ، (خَسِرَ الدُّنْيا وَالْآخِرَةَ) [الحج : ١١] ؛ وأما «خاسرة» فكأنه على النسب : أي ذات خسر ؛ و «ربح» أيضا يتعدّى فيقال : «ربح دينارا». وقال سيبويه : «أعمالا» مشبه بالمفعول به ، ويردّه أن اسم التفضيل لا يشبه باسم الفاعل ، لأنه لا تلحقه علامات الفروع إلا بشرط ، والصواب أنه تمييز.
الجهة الثالثة : أن يخرج على ما لم يثبت في العربيّة ، وذلك إنما يقع عن جهل أو غفلة ، فلنذكر منه أمثلة.
أحدها : قول أبي عبيدة في (كَما أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِ) [الأنفال : ٥] إن الكاف حرف قسم ، وإن المعنى : الأنفال لله والرسول والذي أخرجك ، وقد شنّع ابن الشجري على مكي في حكايته هذا القول وسكوته عنه ، قال : ولو أن قائلا قال «كالله لأفعلنّ» لاستحقّ أن يبصق في وجهه.
ويبطل هذه المقالة أربعة أمور ، أن الكاف لم تجىء بمعنى واو القسم ، وإطلاق