«أفعل» ، لما تضمّنه من معنى البعد ، لا لما فيه من المعنى الوضعيّ ، والمفضل عليه متروكّ أبدا مع «أفضل» هذا لقصد التعميم.
ولو لا خشية الإسهاب لأوردت لك أمثلة كثيرة من هذا الباب لتقف منها على العجب العجاب.
الجهة الرابعة : أن يخرج على الأمور البعيدة والأوجه الضعيفة ،ويترك الوجه القريب والقويّ ، فإن كان لم يظهر له إلّا ذاك فله عذر ، وإن ذكر الجميع فإن قصد بيان المحتمل أو تدريب الطالب فحسن ، إلا في ألفاظ التنزيل فلا يجوز أن يخرج إلا على ما يغلب على الظنّ إرادته ، فإن لم يغلب شيء فليذكر الأوجه المحتملة من غير تعسّف ، وإن أراد مجرد الإغراب على الناس وتكثير الأوجه فصعب شديد ، وسأضرب لك أمثلة مما خرّجوه على الأمور المستبعدة لتجتنبها وأمثالها.
أحدها : قول جماعة في (وَقِيلِهِ) [الزخرف : ٨٠ ، ثم ٨٥ ـ ٨٨] إنه عطف على لفظ (السَّاعَةِ) [الزخرف : ٨٥] فيمن خفض ، وعلى محلّها فيمن نصب ، مع ما بينهما من التّباعد ؛ وأبعد منه قول أبي عمرو في قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بِالذِّكْرِ) [فصلت : ٤٠ ـ ٤٤] إن خبره (أُولئِكَ يُنادَوْنَ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) [فصلت : ٤٤] ؛ وأبعد من هذا قول الكوفيّين والزجّاج في قوله تعالى : (ص وَالْقُرْآنِ ذِي الذِّكْرِ) (١) [ص : ١] : إن جوابه (إِنَّ ذلِكَ لَحَقٌ) [ص : ٦٤] ؛ وقول بعضهم في (ثُمَّ آتَيْنا مُوسَى الْكِتابَ) [الأنعام : ١٥٤] : إنه عطف على (وَوَهَبْنا لَهُ إِسْحاقَ) [الأنعام : ٨٤ ، الأنبياء : ٧٢] وقول الزمخشري في (وَكُلُّ أَمْرٍ مُسْتَقِرٌّ) [القمر : ١ ـ ٣] فيمن جرّ «مستقر :» إنّ «كلّا» عطف على «الساعة ،» وأبعد منه قوله في (وَفِي مُوسى إِذْ أَرْسَلْناهُ) [الذاريات : ٣٨] : إنه عطف على (وَفِي الْأَرْضِ آياتٌ) [الذاريات : ٢٠] ، وأبعد من هذا قوله في (فَاسْتَفْتِهِمْ أَلِرَبِّكَ الْبَناتُ) [الصافات : ١٤٩] إنه عطف على (فَاسْتَفْتِهِمْ أَهُمْ أَشَدُّ خَلْقاً) [الصافات : ١١]. قال : هو معطوف على مثله في أول السورةو إن تباعدت بينهما المسافة ، انتهى.
والصواب خلاف ذلك كله.
فأما (وَقِيلِهِ) [الزخرف : ٨٨] فيمن خفض ، فقيل : الواو للقسم وما بعده الجواب ، واختاره الزمخشري ؛ وأما من نصب ، فقيل : عطف على (سِرَّهُمْ) [الزخرف : ٨٠] أو على مفعول محذوف معمول لـ «يكتبون» أو لـ «يعلمون» ، أي : يكتبون ذلك ، أو يعلمون