ومن الوهم في الأوّل أن يقول من لا يذهب إلى قول الأخفش والكوفيّين في نحو : (وَإِنِ امْرَأَةٌ خافَتْ) [النساء : ١٢٨] ، (وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ اسْتَجارَكَ) [التوبة : ٦] ، و (إِذَا السَّماءُ انْشَقَّتْ) (١) [الانشقاق : ١] : إن المرفوع مبتدأ ، وذلك خطأ ، لأنه خلاف قول من اعتمد عليهم ، وإنما قاله سهوا ؛ وأما إذا قال ذلك الأخفش أو الكوفي فلا يعدّ ذلك الإعراب خطأ ؛ لأن هذا مذهب ذهبوا إليه ولم يقولوه سهوا عن قاعدة ، نعم الصواب خلاف قولهم في أصل المسألة ؛ وأجازوا أن يكون المرفوع محمولا على إضمار فعل كما يقول الجمهور ؛ وأجاز الكوفيون وجها ثالثا ، وهو أن يكون فاعلا بالفعل المذكور على التقديم والتأخير ، مستدلّين على جواز ذلك بنحو قول الزبّاء [من الرجز] :
٧٤٨ ـ ما للجمال مشيها وئيدا |
|
[أجندلا يحملن أم حديدا](١) |
فيمن رفع «مشيها» وذلك عند الجماعة مبتدأ حذف خبره وبقي معمول الخبر ، أي : مشيها يكون وئيدا أو يوجد وئيدا ؛ ولا يكون بدل بعض من الضمير المستتر في الظرف كما كان فيمن جرّه بدل اشتمال من الجمال ؛ لأنه عائد على «ما» الاستفهاميّة ، ومتى أبدل اسم من اسم استفهام وجب اقتران البدل بهمزة الاستفهام ، فكذلك حكم ضمير الاستفهام ، ولأنه لا ضمير فيه راجع إلى المبدل منه.
ومن ذلك قول بعضهم من بيت الكتاب [من الطويل] :
٧٤٩ ـ [صددت فأطولت الصّدود وقلّما] |
|
وصال على طول الصّدود يدوم (٢) |
إن «وصال» مبتدأ ، والصواب أنه فاعل بـ «يدوم» محذوفا مفسّرا بالمذكور ؛ وقول آخر في نحو : «آتيك يوم زيدا تلقاه» : إنه يجوز في «زيد» الرفع بالابتداء ، وذلك خطأ عند سيبويه ؛ لأن الزمن المبهم المستقبل يحمل على «إذا» في أنه لا يضاف إلى الجملة الاسميّة ؛ وأما قوله تعالى : (يَوْمَ هُمْ بارِزُونَ) [غافر : ١٥ ـ ١٦] فقد مضى أنّ الزمن هنا محمول على «إذ» ، لا على «إذا» ، وأنه لتحقّقه نزّل منزلة الماضي ، وأما جواب ابن عصفور عن سيبويه بأنه إنما يوجب ذلك في الظروف ؛ واليوم هنا بدل من المفعول به وهو : (يَوْمَ التَّلاقِ) في قوله تعالى : (لِيُنْذِرَ يَوْمَ التَّلاقِ) [غافر : ١٥] فمردود ، وإنما ذلك
__________________
(١) البيت من الرجز ، وهو للزباء في لسان العرب مادة (وأد) ، والأغاني ١٥ / ٢٥٦ ، وأوضح المسالك ٢ / ٨٦ ، وخزانة الأدب ٧ / ٢٩٥ ، والدرر ٢ / ٢٨١.
(٢) البيت من الطويل ، وهو للمرار الفقعسي في ديوانه ص ٤٨٠ ، والأزهية ص ٩١ ، وخزانة الأدب ١٠ / ٢٢٦ ، والدرر ٥ / ١٩٠ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٧١٧ ، وبلا نسبة في خزانة الأدب ١ / ١٤٥ ، والدرر ٦ / ٣٢١.