النوع الثاني عشر : إيجابهم لبعض معمولات الفعل وشبهه أن يتقدّم كالاستفهام والشرط و «كم» الخبرية ، نحو : (فَأَيَّ آياتِ اللهِ تُنْكِرُونَ) [غافر : ٨١] ، (وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ) [الشعراء : ٢٢٧] ، (أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ) [القصص : ٢٨] ، ولهذا قدّر ضمير الشأن في قوله [من الخفيف] :
٧٦٦ ـ إنّ من يدخل الكنيسة يوما |
|
يلق فيها جآذرا وظباء (١) |
ولبعضها أن يتأخّر : إمّا لذاته كالفاعل ونائبه ومشبهه ، أو لضعف الفعل كمفعول التعجّب ، نحو : «ما أحسن زيدا» ، أو لعارض معنويّ أو لفظيّ ، وذلك كالمفعول في نحو : «ضرب موسى عيسى» فإن تقديمه يوهم أنه مبتدأ وأن الفعل مسند إلى ضميره ؛ وكالمفعول الذي هو «أي» الموصولة ، نحو : «سأكرم أيّهم جاءني» كأنهم قصدوا الفرق بينها وبين «أيّ» الشرطيّة والاستفهاميّة ، والمفعول الذي هو «أنّ» وصلتها ، نحو : «عرفت أنّك فاضل» ؛ كرهوا الابتداء بـ «أنّ» المفتوحة لئلا يلتبس ، بـ «أنّ» التي بمعنى «لعلّ» ؛ وإذا كان المبتدأ أصله التّقديم يجب تأخّره إذا كان «أنّ» وصلتها ، نحو : (وَآيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنا ذُرِّيَّتَهُمْ) [يس : ٤١] فأن يجب تأخّر المفعول الذي أصله التأخير ، نحو : (وَلا تَخافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ) [الأنعام : ٨١] أحقّ وأولى ، وكمعمول عامل اقترن بلام الابتداء أو القسم ، أو حرف الاستثناء ، أو «ما» النافية ، أو «لا» في جواب القسم.
ومن الوهم في الأول قول ابن عصفور في (أَوَلَمْ يَهْدِ لَهُمْ كَمْ أَهْلَكْنا) [السجدة :
٢٦]. إن «كم» فاعل «يهد» ؛ فإن قلت : خرجه على لغة حكاها الأخفش ، وهي أن بعض العرب لا يلتزم صدريّة «كم» الخبرية ، قلت : قد اعترف برداءتها ، فتخريج التّنزيل عليها بعد ذلك رداءة ؛ والصواب أن الفاعل مستتر راجع إلى الله سبحانه وتعالى ، أي أولم يبين الله لهم ، أو إلى الهدى ؛ والأول قول أبي البقاء ، والثاني قول الزجّاج ؛ وقال الزمخشري : الفاعل الجملة ، وقد مرّ أن الفاعل لا يكون جملة ، و «كم» مفعول «أهلكنا» ، والجملة مفعول «يهد» ، وهو معلّق عنها ، و «كم» الخبرية تعلّق خلافا لأكثرهم.
ومن الوهم في الثاني قول بعضهم في بيت الكتاب [من الطويل] :
__________________
(١) البيت من البحر الخفيف ، وهو للأخطل في خزانة الأدب ١ / ٤٥٧ ، والدرر ٢ / ١٧٩ ، وليس في ديوانه ، وبلا نسبة في الأشباه والنظائر ٨ / ٤٦ ، وهمع الهوامع ١ / ١٣٦.