المراد بـ «العباد» المخلصون لا عموم المملوكين ، وأنّ الاستثناء منقطع ، بدليل سقوطه في آيةسبحان (إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ وَكَفى بِرَبِّكَ وَكِيلاً) [الإسراء : ٦٥] ونظيره المثال الآتي.
السابع : قول الزمخشري في (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ إِلَّا امْرَأَتَكَ) [هود : ٨١] إن من نصب قدّر الاستثناء من (فَأَسْرِ بِأَهْلِكَ) [هود : ٨١] ، ومن رفع قدّره من (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ ،) ويردّ باستلزامه تناقض القراءتين : فإن المرأة تكون مسرى بها على قراءة الرفع ، وغير مسرى بها على قراءة النصب ، وفيه نظر ؛ لأن إخراجها من جملة النهي لا يدل على أنها مسرى بها ، بل على أنها معهم ، وقد روي أنها تبعتهم وأنها التفتت فرأت العذاب فصاحت فأصابها حجر فقتلها.
وبعد ، فقول الزمخشري في الآية خلاف الظاهر ، وقد سبقه غيره إليه ، والذي حملهم على ذلك أن النصب قراءة الأكثرين ، فإذ قدّر الاستثناء من (أَحَدٌ) كانت قراءتهم على الوجه المرجوح ؛ وقد التزم بعضهم جواز مجيء قراءة الأكثر على ذلك ، مستدلا بقوله تعالى : (إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْناهُ بِقَدَرٍ) (٤٩) [القمر : ٤٩] ، فإن النصب فيها عند سيبويه على حدّ قولهم : «زيدا ضربته» ، ولم ير خوف إلباس المفسّر بالصفة مرجحا ، كما رآه بعض المتأخّرين ، وذلك لأنه يرى في نحو : «خفت» بالكسر و «طلت» بالضم ، أنه محتمل لفعلي الفاعل والمفعول ؛ ولا خلاف أن نحو : «تضارّ» محتمل لهما ، وأن نحو : «مختار» محتمل لوصفهما ، وكذلك نحو : «مشتريّ» في النسب ؛ وقال الزجّاج في (فَما زالَتْ تِلْكَ دَعْواهُمْ) [الأنبياء : ١٥] : إن النحويين يجيزون كون الأوّل اسما والثاني خبرا والعكس ، وممّن ذكروا الجواز فيهما الزمخشري ؛ قال ابن الحجاج : وكذا نحو : «ضرب موسى عيسى» ، كل من الاسمين محتمل للفاعليّة والمفعوليّة ، والذي التزم فاعليّة الأول إنما هو بعض المتأخرين ، والإلباس واقع في العربية ، بدليل أسماء الأجناس والمشتركات. ا ه.
والذي أجزم به أنّ قراءة الأكثرين لا تكون مرجوحة ، وأن الاستثناء في الآية من جملة الأمر على القراءتين ، بدليل سقوط (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ) [هود : ٨١] في قراءة ابن مسعود ، وأن الاستثناء منقطع بدليل سقوطه في آيةالحجر ، ولأن المراد بالأهل المؤمنون وإن لم يكونوا من أهل بيته ، لا أهل بيته وإن لم يكونوا مؤمنين ؛ ويؤيّده ما جاء في ابن نوح عليهالسلام (يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ) [هود : ٤٦] ، ووجه الرفع أنه على الابتداء ، وما بعده الخبر ، والمستثنى الجملة ، ونظيره (وَلا يَلْتَفِتْ مِنْكُمْ أَحَدٌ يا نُوحُ إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (٢٣) فَيُعَذِّبُهُ