إن التّقدير : هو ربع ، ولم يجعله على البدل من الطّلل ، لأن الربع أكثر منه ، فكيف يبدل الأكثر من الأقلّ؟ ولئلا يصير الشعر معيبا لتعلّق أحد البيتين بالآخر ، إذ البدل تابع للمبدل منه ، ويسمّي ذلك علماء القوافي تضمينا ، ولأن أسماء الديار قد كثر فيها أن تحمل على عامل مضمر ، يقال : دار مية ، وديار الأحباب ، رفعا بإضمار «هي» ، ونصبا بإضمار «اذكر» ، فهذا موضع ألف فيه الحذف.
وإنما قال الأخفش في «ما أحسن زيدا» إن الخبر محذوف ، بناء على أن «ما» معرفة موصولة أو نكرة موصوفة ، وما بعدها صلة أو صفة ، مع أنه إذا قدر «ما» نكرة تامّة والجملة بعدها خبرا ـ كما قال سيبويه ـ لم يحتج إلى تقدير خبر ، لأنه رأى أن «ما» التامّة غير ثابتة أو غير فاشية ، وحذف الخبر فاش ؛ فترجّح عنده الحمل عليه.
وإنما أجاز كثير من النحويّين في نحو قولك : «نعم الرجل زيد» كون «زيد» خبرا لمحذوف مع إمكان تقديره مبتدأ والجملة قبله خبرا ، لأن «نعم» و «بئس» موضوعان للمدح والذم العامّين ؛ فناسب مقامهما الإطناب بتكثير الجمل ، ولهذا يجيزون في نحو : (هُدىً لِلْمُتَّقِينَ (٢) الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ) [البقرة : ٢ ـ ٣] أن يكون (الَّذِينَ) نصبا بتقدير : «أمدح» ، أو رفعا بتقدير : «هم» ، مع إمكان كونه صفة تابعة ، على أنّ التحقيق الجزم بأن المخصوص مبتدأ وما قبله خبر ، وهو اختيار ابن خروف وابن الباذش ، وهو ظاهر قول سيبويه.
وأما قولهم : «نعم الرّجل عبد الله» فهو بمنزلة «ذهب أخوه عبد الله» ، مع قوله : وإذا قال «عبد الله نعم الرجل» ، فهو «عبد الله ذهب أخوه» فسوّى بين تأخير المخصوص وتقديمه. والذي غرّ أكثر النحويين أنه قال : كأنه قال : «نعم الرجل» ، فقيل له : من هو؟ فقال : عبد الله ؛ ويردّ عليهم أنه قال أيضا : وإذا قال «عبد الله» فكأنه قيل له : ما شأنه؟ فقال : نعم الرجل ، فقال مثل ذلك مع تقدّم المخصوص ، وإنما أراد أنّ تعلّق المخصوص بالكلام تعلّق لازم ؛ فلا تحصل الفائدة إلا بالمجموع قدّمت أو أخّرت.
وجوّز ابن عصفور في المخصوص المؤخّر أن يكون مبتدأ حذف خبره ، ويردّه أن الخبر لا يحذف وجوبا إلا إن سدّ شيء مسدّه ، وذلك وارد على الأخفش في «ما أحسن زيدا».
وأما قول الزمخشري في قول الله عزوجل : (قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدىً وَشِفاءٌ وَالَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ فِي آذانِهِمْ وَقْرٌ) [فصلت : ٤٤] : إنه يجوز أن يكون تقديره : هو في آذانهم