من التعريف والتّنكير ، وأما الإفراد والتذكير وأضدادهما فهو فيها كالفعل ، تقول : «مررت برجلين قائم أبواهما ، وبرجال قائم آباؤهم ، وبرجل قائمة أمّه ، وبامرأة قائم أبوها» ؛ وإنما يقول : «قائمين أبواهما» ، و «قائمين آباؤهم» ، من يقول : «أكلوني البراغيث» ؛ وفي التنزيل : (رَبَّنا أَخْرِجْنا مِنْ هذِهِ الْقَرْيَةِ الظَّالِمِ أَهْلُها) [النساء : ٧٥] غير أن الصّفة الرافعة للجمع يجوز فيها في الفصيح أن تفرد ، وأن تكسّر ، وهو أرجح على الأصح ، كقوله [من الطويل] :
٨٧٧ ـ بكرت عليه بكرة فوجدته |
|
قعودا عليه بالصّريم عواذله (١) |
وصحّ الاستشهاد بالبيت لأن هذا الحكم ثابت أيضا للخبر والحال.
والرابع : قولهم في نحو : (وَكُلا مِنْها رَغَداً) [البقرة : ٣٥] : «إنّ رغدا» نعت مصدر محذوف» ؛ ومثله : (وَاذْكُرْ رَبَّكَ كَثِيراً) [آل عمران : ٤١] ، وقول ابن دريد [من الرجز] :
٨٧٨ ـ واشتعل المبيضّ في مسودّه |
|
مثل اشتعال النّار في جزل الغضا (٢) |
أي : أكلا رغدا ، وذكرا كثيرا ، واشتعالا مثل اشتعال النار.
قيل : ومذهب سيبويه والمحقّقين خلاف ذلك ، وأن المنصوب حال من ضمير مصدر الفعل ؛ والأصل : فكلاه ، واشتعله ، أي : فكلا الأكل واشتعل الاشتعال ، ودليل ذلك قولهم : «سير عليه طويلا» ، ولا يقولون : طويل ، ولو كان نعتا للمصدر لجاز ، وبدليل أنه لا يحذف الموصوف إلا والصفة خاصّة بجنسه ، تقول : «رأيت كاتبا» ولا تقول : «رأيت طويلا» ، لأن الكتابة خاصّة بجنس الإنسان دون الطول.
وعندي فيما احتجّوا به نظر ؛ أما الأول فلجواز أنّ المانع من الرفع كراهية اجتماع مجازين : حذف الموصوف ، وتصيير الصّفة مفعولا على السّعة ؛ ولهذا يقولون : «دخلت الدّار» بحذف «في» توسّعا ؛ ومنعوا «دخلت الأمر» لأن تعلّق الدخول بالمعاني مجاز ، وإسقاط الخافض مجاز ؛ وتوضيحه أنهم يفعلون ذلك في صفة الأحيان ، فيقولون : «سير عليه زمن طويل» ، فإذا حذفوا الزمان قالوا : «طويلا» ، بالنصب لما ذكرنا ؛ وأما الثاني فلأن التحقيق أن حذف الموصوف إنّما يتوقّف على وجدان الدليل ، لا على الاختصاص ، بدليل (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ (١٠) أَنِ اعْمَلْ سابِغاتٍ) [سبأ : ١٠ ـ ١١] أي : دروعا سابغات ؛ وممّا
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو لزهير بن أبي في ديوانه ص ١٤٠ ، والأضداد ص ٤٢ ، وشرح شواهد المغني ٢ / ٩٤٠ ، ولسان العرب ١٢ / ٣٣٧ مادة / صرم /.