وقد يعارض هذا بأن يصاغ لنحو «السموات» في المثال اسم مفعول تام ، فيقال :
فالسموات مخلوقة ، وذلك مختص بالمفعول به.
إيضاح آخر : المفعول به ما كان موجودا قبل الفعل الذي عمل فيه ، ثم أوقع الفاعل به فعلا ، والمفعول المطلق ما كان الفعل العامل فيه هو فعل إيجاده ، والذي غرّ أكثر النّحويين في هذه المسألة أنهم يمثلون المفعول المطلق بأفعال العباد ، وهم إنما يجري على أيديهم إنشاء الأفعال لا الذوات ، فتوهّموا أن المفعول المطلق لا يكون إلّا حدثا ؛ ولو مثّلوا بأفعال الله تعالى لظهر لهم أنه لا يختصّ بذلك ، لأن الله تعالى موجد للأفعال والذوات جميعا ، لا موجد لهما في الحقيقة سواه سبحانه وتعالى ؛ وممّن قال بهذا الذي ذكرته الجرجاني وابن الحاجب في أماليه.
وكذا البحث في «أنشأت كتابا» و «عمل فلان خيرا» ، و (آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ) [البقرة : ٢٥].
وزعم ابن الحاجب في شرح المفصّل وغيره أن المفعول المطلق يكون جملة ، وجعل من ذلك نحو : «قال زيد عمرو منطلق» وقد مضى ردّه ؛ وزعم أيضا في «أنبأت زيدا عمرا فاضلا» أن الأول مفعول به ، والثاني والثالث مفعول مطلق ؛ لأنهما نفس النبأ ، قال : بخلاف الثاني والثالث في «أعلمت زيدا عمرا فاضلا» فإنهما متعلقا العلم ، لا نفسه ، وهذا خطأ ؛ بل هما أيضا منبأ بهما ، لا نفس النبأ ؛ وهذا الذي قاله لم يقله أحد ، ولا يقتضيه النظر الصحيح.
الثامن عشر : قولهم في «كاد» : إثباتها نفي ، ونفيها إثبات ، فإذا قيل : «كاد يفعل» فمعناه أنه لم يفعل ، وإذا قيل «لم يكد يفعل» فمعناه أنه فعله ، دليل الأول (وَإِنْ كادُوا لَيَفْتِنُونَكَ عَنِ الَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ) [الإسراء : ٧٣] ، وقوله [من الخفيف] :
٨٨٩ ـ كادت النّفس أن تفيض عليه |
|
[إذ غدا حشو ريطة وبرود](١) |
ودليل الثاني (وَما كادُوا يَفْعَلُونَ) [البقرة : ٧١] وقد اشتهر ذلك بينهم حتّى جعله المعرّيّ لغزا ، فقال [من الطويل] :
__________________
(١) البيت من الخفيف ، وهو بلا نسبة في أدب الكاتب ص ٤٠٦ ، وأوضح المسالك ١ / ٣١٥ ، وخزانة الأدب ٩ / ٣٤٨.