التوكيد فيهنّ ؛ فرفعوا الفاعل بالأسماء الجامدة ؛ وأكدوه لما لحظوا فيها المعنى ، إذ كان العرب بمعنى الفصحاء ، والعرفج بمعنى الخشن ، والأب بمعنى الوالد.
تنبيهان ـ الأول : أنه وقع في كلامهم أبلغ ممّا ذكرنا من تنزيلهم لفظا موجودا منزلة لفظ آخر لكونه بمعناه ، وهو تنزيلهم اللفظ المعدوم الصالح للوجود بمنزلة الموجود كما في قوله [من الطويل] :
٩١٢ ـ بدا لي أنّي لست مدرك ما مضى |
|
ولا سابق شيئا إذا كان جائيا (١) |
وقد مضى ذلك.
والثاني : أنه ليس بلازم أن يعطى الشيء حكم ما هو في معناه ؛ ألا ترى أنّ المصدر قد لا يعطى حكم «أن» أو «أنّ» وصلتهما ، وبالعكس ؛ دليل الأوّل أنهم لم يعطوه حكمهما في جواز حذف الجارّ ، ولا في سدّهما مسدّ جزءي الإسناد ؛ ثم إنهم شركوا بين «أنّ» و «أن» في هذه المسألة في باب «ظنّ» ، وخصّوا «أن» الخفيفة وصلتها بسدّها مسدهما في باب «عسى» ، وخصّوا الشديدة بذلك في باب «لو» ، ودليل الثاني أنهما لا يعطيان حكمه في النيابة عن ظرف الزمان ، تقول : «عجبت من قيامك» ، و «عجبت أن تقوم ، وأنك قائم» ، ولا يجوز : «عجبت قيامك» ، وشذّ قوله [من الطويل] :
٩١٣ ـ فإيّاك إيّاك المراء فإنّه |
|
إلى الشّرّ دعّاء وللشّرّ جالب (٢) |
فأجرى المصدر مجرى «أن يفعل» في حذف الجار ؛ وتقول : «حسبت أنه قائم ، أو أن قام» ولا تقول : «حسبت قيامك» حتى تذكر الخبر ؛ وتقول : «عسى أن تقوم» ، ويمتنع : «عسى أنّك قائم» ؛ ومثلها في ذلك «لعلّ» ، وتقول : «لو أنك تقوم» ، ولا تقول : «لو أن تقوم» : وتقول : «جئتك صلاة العصر» ، ولا يجوز «جئتك أن تصلّي العصر» خلافا لابن جنّي والزمخشري.
والثاني ـ وهو ما أعطي حكم الشيء المشبه له في لفظه دون معناه ـ له صور كثيرة أيضا :
__________________
(١) البيت من الطويل ، وهو لزهير بن أبي سلمى في ديوانه ص ٢٨٧ ، وتخليص الشواهد ص ٥١٢ ، وخزانة الأدب ٨ / ٤٩٢ ، والدرر ٦ / ١٦٣ ، وشرح شواهد المغني ٨ / ٢٨٢ ولسان العرب ٦ / ٣٦٠ مادة / نمش /.
(٢) البيت من الطويل ، وهو للفضل بن عبد الرحمن في إنباه الرواة ٤ / ٧٦ ، وخزانة الأدب ٣ / ٦٣ ، وله أو للعرزمي في حماسة البحتري ص ٢٥٣ ، وبلا نسبة في أمالي ابن الحاجب ص ٦٨٦ ، وأوضح المسالك ٣ / ٣٣٦.