واستدلّ عليه بقوله تعالى : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ) [البقرة : ١٤٢] مدّعيا أن ذلك إنما نزل بعد قولهم (ما وَلَّاهُمْ) [البقرة : ١٤٢] قال : فجاءت السين إعلاما بالاستمرار لا بالاستقبال ، انتهى.
وهذا الذي قاله لا يعرفه النحويّون ، وما استند إليه من أنها نزلت بعد قولهم : (ما وَلَّاهُمْ) غير موافق عليه ، قال الزمخشريّ : فإن قلت : أي فائدة في الإخبار بقولهم قبل وقوعه؟
قلت : فائدته أن المفاجأة للمكروه أشد ، والعلم به قبل وقوعه أبعد عن الاضطراب إذا وقع ، انتهى.
ثم لو سلّم فالاستمرار إنما استفيد من المضارع ، كما تقول : «فلان يقري الضيف ويصنع الجميل» تريد أن ذلك دأبه ، ...
______________________________________________________
إلى قومهم كفروا ونكثوا عهدهم ، وقضية ذلك أن يكون المراد الإخبار باستمرار وجود المؤمنين لهؤلاء الآخرين على تلك الحالة (واستدل) هذا الزعم (عليه) أي على مجيء السين للاستمرار في بعض الأحيان (بقوله تعالى : (سَيَقُولُ السُّفَهاءُ مِنَ النَّاسِ ما وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمُ الَّتِي كانُوا عَلَيْها) [البقرة : ١٤٢] مدعيا أن ذلك إنما نزل بعد قولهم ما ولاهم قال : فجاءت السين إعلاما بالاستمرار لا بالاستقبال انتهى) كلام هذا الزاعم (وهذا الذي قاله) من أن السين قد تأتي للاستمرار لا للاستقبال (لا يعرفه النحويون ، وما استند إليه) في إثبات زعمه بهذه الآية (من أنها نزلت من بعد قولهم غير موافق عليه ، قال الزمخشري فإن قلت : أي فائدة في الإخبار بقولهم قبل وقوعه؟ قلت : فائدته أن المفاجأة للمكروه أشد والعلم به قبل وقوعه أبعد عن الاضطراب إذا وقع) ؛ لما يتقدمه من توطين النفس ، وأن الجواب العتيد قبل الحاجة إليه أقطع للخصم وأرد لشغبه ، وقبل الرمي براشي السهم (انتهى) كلام الزمخشري ، وهو نص في نزول الآية قبل قولهم ووافقهم جدي صاحب «الانتصاف» على ذلك قال : ولهذا أدرج النظار في أثناء مناظراتهم العمل بالمقتضي الذي هو كذا السالم عن معارضة كذا ، فيسلفون رد المعارض قبل ذكر الخصم له ، وهذه الآية أحسن ما يستدل به عليه هذا كلامه رحمهالله تعالى (ثم ولو سلم) ولا محل للواو هنا ، والظاهر أنها زائدة ، فإن قلت : لعلها للعطف أي : ثم لا نسلم أنها في الآية للاستمرار ولو سلم (فالاستمرار إنما استفيد من المضارع) لا من السين قلت : يلزم عليه حذف المعطوف بدون عاطفه وهو باطل (كما تقول : فلان يقري الضيف) بفتح الياء من يقري مضارع قرى الضيف إذا أحسن إليه (ويصنع الجميل يريد أن ذلك دأبه) أي : عادته وشأنه وهو بفتح الدال المهملة وإسكان الهمزة.