(وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) [هود : ٤٥] الآية ، ونحو : «توضّأ فغسل وجهه ويديه ومسح رأسه ورجليه».
وقال الفراء : إنها لا تفيد الترتيب مطلقا ، وهذا ـ مع قوله إن الواو تفيد الترتيب ـ غريب ، واحتجّ بقوله تعالى : (أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) [الأعراف : ٤].
وأجيب بأن المعنى أردنا إهلاكها أو بأنها للترتيب الذكريّ ...
______________________________________________________
(وَنادى نُوحٌ رَبَّهُ فَقالَ رَبِّ إِنَّ ابْنِي مِنْ أَهْلِي) [هود : ٤٥] الآية) يعني قوله : (وَإِنَّ وَعْدَكَ الْحَقُّ وَأَنْتَ أَحْكَمُ الْحاكِمِينَ) [هود : ٤٥] وكأن المصنف يشير بإيراد هذه الآية في أمثلة عطف المفصل على المجمل إلى عدم الاحتياج لما ارتكبه الزمخشري في «الكشاف» فإنه قال أريد بالنداء إرادة النداء ولو أريد النداء نفسه لجاء كما جاء في قوله : (إِذْ نادى رَبَّهُ نِداءً خَفِيًّا (٣) قالَ رَبِ) [مريم : ٣ ـ ٤] بغير فاء فأشار المصنف إلى أنه لا داعي لما ادعاه من جعل نادى بمعنى أراد النداء ؛ فإن هذا من قبيل عطف المفصل على المجمل قال جدي صاحب «البحر» و «الانتصاف» ويجوز وجه آخر لطيف المأخذ رقيق الحاشية ، وهو أن يكون النداء على بابه لكن المعطوف عليه مجموع النداء وما بعده ، فليس من عطف الشيء على نفسه بل من عطف المجموع على أحد أجزائه وهما متغايران (نحو) ما وقع في بعض الأحاديث («توضأ فغسل وجهه ويديه ومسح رأسه ورجليه») أي : وغسل رجليه ، وقد استشكل بعضهم هذا بأن المعطوف بالفاء إنما هو بعض المفصل ، وهو قوله غسل وجهه وبقية الفصل معطوفة بالواو ، وهذا ممنوع بل المعطوف بالفاء هو مجموع ما وقع بعدها لا بعضه ، وقد يقع مثل هذا في المفردات كما قيل : في قوله تعالى : (هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْباطِنُ) أن الواو الوسطى لعطف مجموع الصفتين الأخيرتين على مجموع الصفتين الأوليين (وقال الفراء : لا تفيد الترتيب وهذا مع قوله إن الواو تفيد الترتيب غريب) ؛ فإنه مخالف لقول الجمهور في الموضعين ، واحتج بقوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْناها فَجاءَها بَأْسُنا بَياتاً أَوْ هُمْ قائِلُونَ) (٤) فإن مجيء البأس لا يكون بعد الإهلاك (وأجيب بأن المعنى أردنا إهلاكها) ومجيء البأس وقع بعد الإرادة فتكون للترتيب المعنوي كما في قام زيد فعمرو (أو بأنها للترتيب الذكري) فلا يلزم كون مضمون العطف واقعا بعد زمان مضمون المعطوف عليه ؛ إذ المقصود الترتيب في الذكر فقط وهو حاصل فيكون من قبيل عطف المفصل على المجمل ؛ لأن مجيء البأس في حال البيات والقيلولة تفصيل للإهلاك المجمل ، وحمل الزمخشري الآية على الوجه الأول فقال : معنى أهلكناها أردنا إهلاكها ، كقوله : إذا قمتم إلى الصلاة وقال في جاءها بأسنا : فجاء أهلها ، ثم سأل هل يقدر حذف المضاف الذي هو الأهل قبل قرية أو قبل الضمير في أهلكناها ، وأجاب بأن المضاف إنما يقدر للحاجة ، ولا حاجة فإن القرية تهلك كما يهلك