(نَجَّاهُمْ إِلَى الْبَرِّ فَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ) [لقمان : ٣٢] فالجواب محذوف ، أي : انقسموا قسمين فمنهم مقتصد ومنهم غير ذلك ، وأما قوله تعالى : (وَلَمَّا جاءَهُمْ كِتابٌ مِنْ عِنْدِ اللهِ مُصَدِّقٌ لِما مَعَهُمْ وَكانُوا مِنْ قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُوا فَلَمَّا جاءَهُمْ ما عَرَفُوا كَفَرُوا بِهِ) [البقرة : ٨٩] ، فقيل : جواب «لمّا» الأولى «لمّا» الثانية ، وجوابها ، وهذا مردود لاقترانه بالفاء ، وقيل : (كَفَرُوا بِهِ) جواب لهما ، لأن الثانية تكرير للأولى ، وقيل : جواب الأولى محذوف ؛ أي أنكروه.
مسألة ـ الفاء في نحو : (بَلِ اللهَ فَاعْبُدْ) [الزمر : ٦٦] جواب لـ «أمّا» مقدّرة عند بعضهم ، وفيه إجحاف ؛ وزائدة عند الفارسيّ ، وفيه بعد ؛ وعاطفة عند غيره. والأصل : تنبّه فاعبد الله ، ثم حذف «تنبّه» ، وقدّم المنصوب على الفاء إصلاحا للّفظ كيلا تقع الفاء صدرا ، كما قال الجميع في الفاء في نحو : «أمّا زيدا فاضرب» ، إذ الأصل مهما يكن من شيء فاضرب زيدا ، وقد مضى شرحه في حرف الهمزة.
* * *
مسألة ـ الفاء في نحو : «خرجت فإذا الأسد» زائدة لازمة عند الفارسي والمازني وجماعة ؛ وعاطفة عند مبرمان وأبي الفتح ؛ وللسببيّة المحضة كفاء الجواب عند أبي إسحاق ؛ ويجب عندي أن يحمل على ذلك مثل : (إِنَّا أَعْطَيْناكَ الْكَوْثَرَ فَصَلِّ لِرَبِّكَ) [الكوثر : ١ ـ ٢]. ونحو : «ائتني فإني أكرمك» ، إذ لا يعطف الإنشاء على الخبر ولا العكس ، ولا يحسن إسقاطها ليسهل دعوى زيادتها.
* * *
مسألة ـ (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ) [الحجرات : ١٢]
قدّر أنهم قالوا بعد الاستفهام : «لا» ، فقيل لهم : فهذا كرهتموه ، يعني والغيبة مثله فاكرهوها ، ثم حذف المبتدأ وهو «هذا».
وقال الفارسي : التّقدير : فكما كرهتموه فاكرهوا الغيبة ؛ وضعفه ابن الشجري بأن فيه حذف الموصول ـ وهو «ما» المصدرية ـ دون صلتها ، وذلك رديء ؛ وجملة (وَاتَّقُوا اللهَ) [الحجرات : ١٢] عطف على (وَلا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضاً) [الحجرات : ١٢] على التقدير الأول ، وعلى «فاكرهوا الغيبة» على تقدير الفارسي ؛ وبعد فعندي أن ابن الشجري لم يتأمّل كلام الفارسي ، فإنه قال : كأنهم قالوا في الجواب : «لا» ، فقيل لهم فكرهتموه فاكرهوا الغيبة واتقوا الله ، فـ «اتقوا» عطف على «فاكرهوا» ، وإن لم يذكر «كما» في (اضْرِبْ بِعَصاكَ