فردّ عليه صاحب الكفاية (١) : بأنّ الوجوب ليس إلاّ مرتبةً واحدةً من الطلب ، فالطلب بسيط وليس بمركّب ، غير أنّها مرتبة أكيدة في قبال الاستحباب ، لأنّ الوجوب إمّا هو أمر اعتباري وامّا هو الإرادة ، فإنْ كان هو الإرادة ، فإنّها وإنْ كانت تشكيكيّة لكنّها بسيطة لا تركيب فيها ، وإن كان أمراً اعتباريّاً ، فالأُمور الاعتباريّة كلّها بسائط. وكيفما كان ، فإنّ المبنى باطل ، فما بنى عليه باطل كذلك.
ثم قال : وإذا كان حقيقة الوجوب هي المرتبة الشديدة من الطلب ، فإنّ الآمر إذا التفت إلى نقيض متعلَّق طلبه ، فلا ريب في كونه مبغوضاً له ومورداً للنهي منه ... فكان النهي عن النقيض ـ وهو الترك ـ من لوازم المرتبة الأكيدة. وقد أشار بكلمة «الالتفات» إلى أنّ هذا اللزوم عقلي ، وليس لزوماً بيّناً بالمعنى الأخص.
وهذا دليل صاحب (الكفاية) على دلالة الأمر بالشيء على مطلوبيّة ترك تركه بالملازمة العقليّة.
ثمّ تعرّض لرأي صاحب (الفصول) وأفاد بأنّه إذا ثبتت الملازمة ثبت الاثنينيّة ، فالقول بكون الأمر بالشيء عين النهي عن تركه باطل.
وللمحقّق الأصفهاني تعليقة مطوّلة في هذا الموضع ، وحاصل كلامه (٢) هو : إنّ بحثنا في الإرادة التشريعيّة ، ووزانها وزان الإرادة التكوينيّة ، فإن كان المراد من قوله : الشوق في مورد الوجوب أشدّ منه في مورد الاستحباب ، أنّه يعتبر في الوجوب وصول المصلحة إلى حدّ اللّزوم ، فهذا صحيح ، سواء في المراد التكويني أو التشريعي. وإنْ كان المراد : إنّ الإرادة المؤثرة في تحقّق المراد هي في
__________________
(١) كفاية الأُصول : ١٣٣.
(٢) نهاية الدراية ٢ / ٢٠٥.