والثالث : إن الغرض في الواجب الكفائي واحد لا متعدّد ، وقد صرّح بذلك أيضاً ، ومع وحدته يستحيل تعدّد الواجب ، فقوله بتعدّد الوجوب على عدد أفراد المكلّفين غير صحيح.
إنه ليس للوجوب حقائق مختلفة متعدّدة ممتازة بذاتيّاتها ، بل هو في جميع موارده سنخ واحد ، ويكون تكثّره بالعوارض المصنّفة والخصوصيّات المشخّصة.
فسنخ الكفائي هو سنخ العيني ، والتكليف فيه متوجّه إلى الجميع ، لعدم معقوليّة تكليف واحدٍ على البدل ، والفرض عدم اختصاص التكليف بواحدٍ معيّن ، والتكليف المتوجّه إلى الجميع متعدّد ، لعدم معقوليّة توجّه تكليفٍ واحدٍ إلى متعدّدين ، فإذا تعدّد التكليف والمكلّف تعدّد الفعل المكلّف به ، ويكون تكليف كلّ واحدٍ متعلّقاً بفعل نفسه لا بفعل غيره ....
فحقيقة الوجوب هنا هي حقيقة الوجوب هناك من غير تخالف في الحقيقة الوجوبيّة أصلاً ، فيجب على كلّ واحدٍ امتثال تكليف نفسه ، فإذا اجتمع الكلّ على الامتثال دفعةً واحدة استحق كلّ واحدٍ المثوبة الكاملة ، وإذا اجتمعوا على المعصية استحق كلّ واحدٍ عقاباً تامّاً كما في الواجبات العينيّة.
نعم ، إذا بادر أحدهم إلى الامتثال سقط التكليف عن الباقين ، على خلاف الواجبات العينيّة ، وليس المنشأ لهذا الاختلاف حقيقة الوجوب ، بل الوجه في ذلك ارتفاع موضوع التكليف بإتيان واحدٍ ، وذلك لخصوصيّة أُخذت في المتعلَّق ، فإنّ متعلّق التكليف هو الغسل والكفن والدفن لميت لم يغسّل ولم يكفّن ولم يصلّ عليه ولم يدفن. وهذا كلّه ينتفي بإتيان واحد ، فموضوعُ التكليف