تقرير آخر للإشكال والجواب عنه
وقد يقرّر الإشكال على (الكفاية) بوجهٍ آخر (١) وهو : إنّ الأمر هو الكاشف عن الملاك كشف المعلول على العلّة ، فإذا سقط على أثر المزاحمة انتفى الكاشف عن الملاك ، وحينئذٍ ، كما يحتمل أن يكون سقوط الأمر بسبب وجود المانع وهو عدم القدرة ، كذلك يحتمل أن يكون بسبب عدم المقتضي وهو الملاك ، ومع هذا الاحتمال كيف يقطع بوجود الملاك حتى يُقصد في العبادة؟
لكنّه يندفع : بأنّ مفروض الكلام عدم وجود المخصّص اللفظي والعقلي في المقام ، وعليه ، فإنّه لا مانع من عموم الأمر إلاّ الأمر بالأهمّ المزاحم له ... فكان المانع هو المزاحم الموجب لعدم القدرة على الامتثال ، مع العلم بعدم دخل القدرة في الملاك ، فمع لحاظ جميع هذه الجهات ، ينحصر المانع بعدم القدرة على الامتثال مع وجود الملاك ، فلا مجال لهذا الإشكال.
وأمّا الطريق الثالث ، فهو طريق الدلالة الالتزامية ، وتقريب ذلك ضمن أُمور :
الأوّل : إنّ الأحكام تابعة للملاكات ومعلولة لها ، كما هو مسلك العدليّة.
والثاني : إنّ الأمر إذا تعلّق بشيء كان له مدلولان ، أحدهما : المدلول المطابقي وهو وجوب ذلك الشيء. والآخر : المدلول الالتزامي ، وهو كون الوجوب ذا ملاك.
والثالث : إنّه إذا سقط المدلول المطابقي على أثر وقوع المزاحمة بين هذا الأمر وأمرٍ آخر أهم منه ، فالمدلول الالتزامي ـ وهو الدلالة على وجود الملاك ـ باقٍ.
أمّا الأمر الأوّل ، فهو واضح.
__________________
(١) محاضرات في أُصول الفقه ٢ / ٣٦٠.