فإمّا يصوّر الوجوب التخييري بحيث يتلاءم مع هذه البراهين ، وامّا يرفع اليد عن ظواهر الأدلّة من أجلها وينكر من أصله!
فلننظر في الكلمات والأقوال ....
قال في (الكفاية) : إذا تعلّق الأمر بأحد الشيئين أو الأشياء ، ففي وجوب كلّ واحدٍ على التخيير ، بمعنى عدم جواز تركه إلاّ إلى بدلٍ ، أو وجوب الواحد لا بعينه ، أو وجوب كلّ منهما مع السقوط بفعل أحدهما ، أو وجوب المعيّن عند الله. أقوال.
والتحقيق أن يقال : إنه إن كان الأمر بأحد الشيئين بملاك أنه هناك غرض واحد يقوم به كلّ واحد منهما ، بحيث إذا أتى بأحدهما حصل به تمام الغرض ولذا يسقط به الأمر ، كان الواجب في الحقيقة هو الجامع بينهما ، وكان التخيير بينهما بحسب الواقع عقليّاً لا شرعيّاً .... وإن كان بملاك أنه يكون في كلّ واحدٍ منهما غرض لا يكاد يحصل مع حصول الغرض في الآخر بإتيانه ، كان كل واحدٍ واجبا بنحوٍ من الوجوب يستكشف عنه تبعاته ، من عدم جواز تركه إلاّ إلى الآخر ، وترتب الثواب على فعل الواحد منهما والعقاب على تركهما (١) ....
أقول :
لقد ذكر رحمهالله أربعة أقوالٍ فقط ، لكنّها في المسألة أكثر منها ، واختار منها القول الرابع وحاصله : إن المتعلّق في الوجوب التخييري لا يختلف عنه في التعييني إلاّ من جهة سنخ التكليف ، فإنّ التخييري مشوبٌ بجواز الترك إلى بدلٍ بخلاف التعييني ، فكانا مشتركين في عدم جواز الترك ، لأن الواجب ما لا يجوز
__________________
(١) كفاية الأُصول : ١٤٠.