قال : إن الجواز والوجوب ليسا مجعولين شرعيين ، بل هما أمران انتزاعيّان ، والمجعول الشرعي إنما هو اعتبار المولى لا غيره ، والمفروض أنه قد ارتفع بدليل الناسخ ، فإذن ، لا موضوع للاستحباب (قال) : ولو تنزّلنا عن ذلك وسلّمنا أنّ الوجوب مجعول شرعاً ، فمع ذلك لا دليل لنا على بقاء الجواز ، والوجه في ذلك :
أمّا أوّلاً : فلأن الوجوب أمر بسيط وليس مركّباً من جواز الفعل مع المنع من الترك.
وأمّا ثانياً : فلو سلّمنا أن الوجوب مركّب ، إلاّ أن النزاع هنا في بقاء بالجواز بعد نسخ الوجوب وعدم بقائه ، ليس مبنيّاً على النزاع في تلك المسألة ، أعني مسألة إمكان بقاء الجنس بعد ارتفاع الفصل وعدم إمكانه ، وذلك ، لأن النزاع في تلك المسألة إنما هو في الإمكان والاستحالة العقليين ، وأمّا النزاع في مسألتنا هذه إنما هو في الوقوع الخارجي وعدم وقوعه ، بعد الفراغ عن أصل إمكانه (١).
توضيحه :
إنّ الأمر الواقع بالنسبة إلى الوجوب هو اعتبار ثبوت الفعل في ذمّة المكلّف ، فإن اعتبر مع الترخيص في الترك ، كان المنتزع عقلاً هو الاستحباب ، فالوجوب في الحقيقة أمر منتزع من الاعتبار الشرعي لا مع الترخيص ، فليس مجعولاً شرعيّاً ، فلا موضوع للبحث عن أنه بعد النسخ هل يبقى الجواز أو لا؟
وأيضاً : فإنّ حقيقة النسخ ليس الرفع ، لأنه يستلزم الجهل في الباري ، وإنما هو الدفع ، بمعنى أنّه بيانٌ لانتهاء أمد الحكم ، وهذا مفاد الدليل الناسخ.
__________________
(١) محاضرات في أُصول الفقه ٣ / ٢٠٤ ـ ٢٠٥.