المقام الثاني :
في اقتضاء الأمر بالشيء للنهي عن ضدّه العام
والمراد من «الضدّ العام» هو «الترك» أي عدم المأمور به ، وهل يتعلّق التكليف بالعدم حتى يبحث عن دلالة الأمر بالشيء على النهي عن عدمه وتركه؟
إنّ هذا العدم ليس بالعدم المطلق ، بل هو عدم مضافٌ إلى الوجود ، وقد جرى على الألسنة أنّ للعدم المضاف إلى الوجود حظّاً من الوجود ، وعليه ، فهو قابل لأنْ يتعلّق التكليف به ... لكنّ الأُستاذ دام بقاه لا يوافق على ذلك ، ومختاره أنّ العدم لا يقبل الاتّصاف بالوجود عقلاً مطلقاً ... إلاّ أنّه يرى جريان البحث بالنظر العرفي ، والخطابات الشرعيّة ملقاة إلى العرف ، لأنّ أهل العرف يرون للعدم القابليّة لتعلّق التكليف ، ومن هنا كانت تروك الإحرام ـ وهي أُمور عدميّة ـ موضوعات للأحكام الشرعيّة ، وكذا غيرها من الأُمور العدميّة ، ولا وجه لرفع اليد عن أصالة الظهور فيها وتأويلها إلى أُمور وجوديّة.
هذا ، وفي المسألة قولان ، ثم اختلف القائلون بالاقتضاء ، بين قائل بأن الأمر بالشيء عين النهي عن نقيضه ، وهو المستفاد من كلام صاحب (الفصول) وقائل بأنه يقتضيه ويدلّ عليه بالدلالة التضمّنيّة ، وهو المستفاد من كلام صاحب (المعالم) وقائل بدلالته عليه بالدلالة الالتزاميّة العقليّة ، وعليه صاحب (الكفاية).
ويتلخّص مستند صاحب (المعالم) (١) في : أن الوجوب مركّب من طلب الفعل والمنع من الترك ، وإذا كان مركّباً من الجزءين فدلالة الأمر على المنع من الترك دلالة لفظيّة تضمّنيّة.
__________________
(١) معالم الدين : ٦٣.