إيمانَكُمْ) (١) فالآية دالّة على أنّ الله تعالى ليس من شأنه أن يضيع أعمال المؤمنين ، ولا يليق به ذلك ، ولذا قال بعد هذا : (إِنَّ اللهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحيمٌ) وهو بمثابة التعليل ، بمعنى أنّ الرءوف الرحيم على الإطلاق ـ ولعموم الناس ـ لا يليق به أن يضيع إيمان المؤمنين ويترك أعمالهم بلا ثوابٍ وأجر.
والحاصل : إنّه ليس للعبد أن يطالب المولى الحقيقي بشيءٍ من عمله ، فإنّه إذا صلّى إطاعةً لأمر الله ، فقد أتى بها بحول الله وقوته (ما شاءَ اللهُ لاقُوَّةَ إِلاّ بِاللهِ) (٢) وإذا صلّى حصلت له التزكية (إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهى عَنِ الْفَحْشاءِ وَالْمُنْكَرِ) (٣) وتلك منّة من الله عليه ... فليس للعبد أن يحتج بشيء على الله ، لا من ناحية نفسه ولا من ناحية عمله ... لكنّ مقتضى شأن ربوبيّته وأُلوهيّته التي أشار إليها ب (هو) في (قُلْ هُوَ اللهُ أَحَدٌ) (٤) و (شَهِدَ اللهُ أَنَّهُ لاإِلهَ إِلاّ هُوَ) (٥) أن لا يجعل العمل بلا أجر ، وكذا مقتضى صفاته (وهو الرؤف الرحيم) فللعبد أن يقول له : «أنت كما وصفت نفسك» (٦) «اللهمّ إن لم أكن أهلاً لأنْ أُبلغ رحمتك فرحمتك أهل أن تبلغني وتسعني» (٧) فيطلب منه الأجر والثواب من هذا الباب.
هذا تمام الكلام على ترتّب الأثر على الواجبات والمحرّمات النفسية.
وأمّا الواجب الغيري ، فقد ذهب المحقّقان الخراساني والأصفهاني إلى عدم استحقاق الثواب على موافقة الأمر الغيري والعقاب على مخالفته.
__________________
(١) سورة البقرة : ١٤٣.
(٢) سورة الكهف : ٣٩.
(٣) سورة العنكبوت : ٤٥.
(٤) سورة التوحيد : ٢.
(٥) سورة آل عمران : ١٨.
(٦) مصباح المتهجد ، دعاء صلاة الحاجة : ٣٣١.
(٧) مفاتيح الجنان : في التعقيبات العامة للصلوات.