إذ لو كان المراد الايجاب لم يستقم ، لأنك لا تقول : يدافع أنا ، وإنما تقول : أدافع ، ولكن لما كان المعنى : ما يدافع إلا أنا ، فصل الضمير كما يفصل مع النفي والاستثناء ليتأتي له ما قصد وهو تخصيص المدافع لا المدافع عنه ، إذ لو قال : وإنما أدافع عن أحسابهم لصار المعنى أنه يدافع عن أحسابهم لا عن غيرهم ، وليس ذلك بمقصود بما فيه من قصور المدح والمقام مقام مبالغة إذ هو في معرض التفاخر وعدا المآثر.
قال السكاكي ويذكر لذلك وجه لطيف يسند الى علي بن عيسى الربعي ، وهو أنه لما كانت كلمة إن لتأكيد إثبات المسند للمسند إليه ثم اتصلت بها ما المؤكدة لا النافية كما يظنه من لا وقوف له على علم النحو ، ناسب أن يضمن معنى القصر لأن القصر ليس إلا تأكيدا على تأكيد.
٣ ـ يراد بالتقديم تقديم ما كان حقه أن يؤخر ، كتقديم الخبر على المبتدأ ، وتقديم بعض معمولات الفعل عليه ، نحو : أنا أنجزت مسألتك ، أي وحدي ، لمن اعتقد أنك وغيرك أنجزتماها ، أو بمعنى : لا غيري ، لمن اعتقد أن غيرك أنجزها دونك.
وهذه الطرق تفترق من وجوه :
(١) أن التقديم يدل على القصر بمفهوم الكلام ، فإن ذا الذوق السليم اذا تأمل في كلام فيه التقديم ، فهم منه القصر ، وإن لم يعرف اصطلاح البلغاء في ذلك ، والثلاثة الباقية بالوضع اللغوي ، لأن الواضع وضعها لتفيد ذلك.
(٢) أن الأصل أن ينص في العطف على المثبت والمنفي معا ، فلا يترك ذلك إلا خوف التطويل ، كما اذا قيل : محمد يعلم الكيمياء والطب والهندسة والجبر والفلك ، أو محمد يعلم الكيمياء ، وإبراهيم وخالد إلى آخره .. فتقول فيهما : محمد يعرف الكيمياء لا غير ، أي لا الطب ولا الهندسة الى آخره في الأول ، ولا إبراهيم ولا خالد في الثاني ، وينص في الثلاثة الباقية على المثبت فقط.
(٣) أن النفي بلا العاطفة لا يجتمع مع النفي والاستثناء ، فلا تقول : ما محمد إلا مجتهد لا كسل ، لأن شرط جواز النفي بلا ، أن يكون ما قبلها منفيا بغيرها ، ولذا عيب على صاحب «الكشاف» حيث قال في تفسير قوله تعالى :