فإذا عزمت فتوكل على الله ، أي لأن الأصلح لك لا يعلمه إلا الله ، لا أنت ، وعلى الحريري في قوله :
لعمرك ما الإنسان إلا ابن يومه |
|
على ما تجلى يومه لا ابن أمسه |
ويجتمع مع إنما والتقديم فتقول : إنما محمد مجتهد لا كسلان ، وهو يجتهد لا علي ، لأن النفي فيهما غير مصرح به ، بل المصرح به هو الاثبات ، فلا يقبح تأكيد ما تضمناه والنفي بلا ، بخلاف ما وإلا فإنه قد صرح فيهما بالنفي ، والنفي الصريح ليس كالضمني.
(تنبيه) لا يحسن العطف بعد إنما اذا كان الوصف مختصا بالموصوف كالتذكر الذي يعلم أنه لا يكون إلا من أولي الألباب في قوله تعالى : (إِنَّما يَتَذَكَّرُ أُولُوا الْأَلْبابِ)(١) ، فلا يحسن أن تقول : إنما يتذكر أولو الألباب لا الجهال ، كما يحسن أن تقول : إنما يجيء محمد لا علي.
(٤) أن الأصل في (النفي والاستثناء) أن يكون لأمر ينكره المخاطب أو يشك فيه أو لما هو منزل هذه المنزلة ـ بيان ذلك أنك لا تقول ما هو إلا مخطى إلا لمن ينكر أن يكون الأمر على ما قلت ، وإذا رأيت شبحا من بعد فقلت : ما هو إلا علي ، لم تقله إلا والمخاطب يتوهم أنه ليس بعلي.
وأما ما هو منزل هذه المنزلة فكقوله تعالى : (وَما مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ)(٢) أي مقصور على الرسالة لا يتعداها الى التبري والتباعد عن الهلاك ، نزل استفظاعهم هلاكه وشدة حرصهم على بقائه منزلة إنكارهم ذلك.
ونظير ذلك قوله تعالى : (إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنا)(٣) ، لأن الكفار جعلوا الرسل كأنهم بادعائهم النبوة قد أخرجوا أنفسهم عن أن يكونوا بشرا مثلهم.
وأما قوله تعالى : (إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ وَلكِنَّ اللهَ يَمُنُّ عَلى مَنْ يَشاءُ مِنْ عِبادِهِ)(٤) ، فمن باب مجاراة الخصم وتسليم بعض مقدماته لتنقطع حجته
__________________
(١) سورة الرعد الآية ١٩.
(٢) سورة آل عمران الآية ١٤٤.
(٣) سورة النحل الآية ٥٨.
(٤) سورة إبراهيم الآية ١١.