فضلا عن العلم ، وسنذكرها ان شاء الله تعالى في أنوار القيامة. مع وجود الدلائل من الكتاب والسنة على ان الإحباط ـ الذي هو الموازنة بين الأعمال وإسقاط المتقابلين وإبقاء الرجحان ـ حق لا شك فيه ولا ريب يعتريه ، ومثل قولهم : ان النبي (صلىاللهعليهوآله) لم يحصل له الإسهاء من الله تعالى في صلاة قط ، تعويلا على ما قالوه من انه لو جاز السهو عليه في الصلاة لجاز عليه في الأحكام ، مع وجود الدلائل الكثيرة من الأحاديث الصحاح والحسان والموثقات والضعفاء والمجاهيل (١) على حصول مثل هذا الإسهاء ، وعلل في تلك الروايات بأنه رحمة للأمة. لئلا يعير الناس بعضهم بعضا بالسهو ، وسنحقق هذه المسألة في نور من هذا الكتاب ان شاء الله تعالى ، الى غير ذلك من مسائل الأصول.
واما مسائل الفروع فمدارهم على طرح الدلائل النقلية والقول بما أدت اليه الاستحسانات العقلية ، وإذا عملوا بالدلائل النقلية يذكرون ـ أولا ـ الدلائل العقلية ثم يجعلون دليل النقل مؤيدا لها وعاضدا إياها : فيكون المدار والأصل إنما هو العقل. وهذا منظور فيه ، لأنا نسألهم عن معنى الدليل العقلي الذي جعلوه أصلا في الأصولين والفروع ، فنقول : ان أردتم ما كان مقبولا عند عامة العقول ، فلا يثبت ولا يبقى لكم دليل عقلي ، وذلك كما تحققت ان العقول مختلفة في مراتب الإدراك وليس لها حد تقف عنده ، فمن ثم ترى كلا من اللاحقين يتكلم على دلائل السابقين وينقضه ويأتي بدلائل اخرى على ما ذهب اليه ، ولذلك لا ترى دليلا واحدا مقبولا عند عامة العقلاء والأفاضل وان كان المطلوب متحدا ، فإن جماعة من المحققين قد اعترفوا بأنه لم يتم دليل من الدلائل على إثبات الواجب. وذلك ان الدلائل التي ذكروها مبنية على إبطال التسلسل ولم يتم برهان على بطلانه ، فإذا لم يتم دليل على هذا المطلب الجليل الذي توجهت الى الاستدلال عليه كافة الخلائق ، فكيف يتم على غيره
__________________
(١) روى صاحب الوافي الأحاديث المذكورة في باب ـ ٢١ ـ من الفصل الخامس من كتاب الصلاة ، وروى حديثا منها في باب ـ ٢٩ ـ من الفصل المذكور.