مما توجهت اليه آحاد المحققين؟ وان كان المراد به ما كان مقبولا بزعم المستدل به واعتقاده ، فلا يجوز لنا تكفير الحكماء والزنادقة ولا تفسيق المعتزلة والأشاعرة ولا الطعن على من يذهب الى مذهب يخالف ما نحن عليه ، وذلك ان أهل كل مذهب استندوا في تقوية ذلك المذهب إلى دلائل كثيرة من العقل ، وكانت مقبولة في عقولهم معلومة لهم ، ولم يعارضها سوى دلائل العقل لأهل القول الآخر أو دلائل النقل. وكلاهما لا يصلح للمعارضة لما قلتم ، لان دليل النقل يجب تأويله ودليل العقل لهذا الشخص لا يكون حجة على غيره ، لان عنده مثله ويجب عليه العمل بذلك ، مع ان الأصحاب (رضوان الله عليهم) ذهبوا الى تكفير الفلاسفة ومن يحذو حذوهم وتفسيق أكثر طوائف المسلمين. وما ذاك إلا لأنهم لم يقبلوا منهم تلك الدلائل ولم يعدوها من دلائل العقل» انتهى كلامه زيد في الخلد إكرامه.
أقول : وقد سبقه الى هذه المقالة الإمام الرازي ، حيث قال : «هذه الأشياء المسماة بالبراهين لو كانت في أنفسها براهين لكان كل من سمعها ووقف عليها وجب ان يقبلها وان لا ينكرها أصلا ، وحيث نرى ان الذي يسميه أحد الخصمين برهانا فان الخصم الثاني يسمعه ويعرفه ولا يفيد له ظنا ضعيفا ، علمنا ان هذه الأشياء ليست في أنفسها براهين ، بل هي مقدمات ضعيفة انضافت العصبية والمحبة إليها فتخيل بعضهم كونها برهانا مع ان الأمر في نفسه ليس كذلك. وايضا فالمشبه يحتج على القول بالتشبيه بحجة ويزعم ان تلك الحجة افادته الجزم واليقين ، فاما ان يقال : ان كل واحدة من هاتين الحجتين صحيحة يقينية فحينئذ يلزم صدق النقيضين وهو باطل ، واما ان يقال : إحداهما صحيحة والأخرى فاسدة إلا انه متى كان الأمر كذلك كانت مقدمة واحدة من مقدمات تلك الحجة باطلة في نفسها. مع ان الذي تمسك بتلك الحجة جزم بصحة تلك المقدمة ابتداء. فهذا يدل على ان العقل يجزم بصحة الفاسد جزما ابتداء ،