فإذا كان كذلك كان العقل غير مقبول القول في البديهيات ، وإذا كان كذلك فحينئذ تفسد جميع الدلائل. فإن قالوا : العقل إنما جزم بصحة ذلك الفاسد لشبهة متقدمة ، فنقول : قد حصل في تلك الشبهة المتقدمة مقدمة فاسدة ، فإن كان ذلك لشبهة اخرى لزم التسلسل ، وان كان ابتداء فقد توجه الطعن. وأيضا فإنا نرى الدلائل القوية في بعض المسائل العقلية متعارضة ، مثل مسألة الجوهر الفرد ، فانا نقول : كل متحيز فان يمينه غير يساره ، وكل ما كان كذلك فهو منقسم ، ينتج ان كل متحيز منقسم ، ثم نقول : الآن لم يكن حاضرا بل بعضه ، وإذا كان غير منقسم كان أول عدمه في آن آخر متصل بآن وجوده ، فلزم تتالي الآنات ، ويلزم منه كون الجسم مركبا من اجزاء لا تتجزأ. فهذان الدليلان متعارضان ولا نعلم جوابا شافيا عن أحدهما ، ونعلم أن أحد الكلامين مشتمل على مقدمة باطلة وقد جزم العقل بصحتها ابتداء ، فصار العقل مطعونا فيه» ثم أخذ في تفصيل هذه الوجوه بكلام طويل الذيل.
(فان قلت) : فعلى ما ذكر من عدم الاعتماد على الدليل العقلي يلزم ان لا يكون العقل معتبرا بوجه من الوجوه ، مع انه قد استفاضت الآيات القرآنية والأخبار المعصومية بالاعتماد على العقل والعمل على ما يرجحه ، وانه حجة من حجج الله سبحانه ، كقوله تعالى : (إِنَّ فِي ذلِكَ لَآياتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ) (١) في غير موضع من الكتاب العزيز اي يعملون بمقتضى عقولهم (الْآياتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (٢). (لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ) (٣).
__________________
(١) سورة الرعد. آية ٥. سورة النحل. آية ١٣. سورة الروم. آية ٢٤.
(٢) سورة الرعد. آية ٤. سورة الروم. آية ٢١. سورة الزمر. آية ٤٤. سورة الجاثية. آية ١٣.
(٣) سورة آل عمران. آية ١٨٨.