استنادا الى ان التغير حصل واقعا وان منع من ظهوره مانع ، والمناط التغير في الواقع لا الحسي ، والفرق بين الموضعين لا يخلو من خفاء.
ويؤيد ذلك ان الظاهر ان الشارع إنما ناط النجاسة بالتغير في هذه الأوصاف لدلالته على غلبة النجاسة وكثرتها على الماء واقعا ، وإلا فالتغير بها من حيث هو لا مدخل له في التنجيس ، فالمنجس حقيقة هو غلبة النجاسة وزيادتها وان كان مظهره التغير المذكور ، وحينئذ فلو كانت هذه النجاسة المسلوبة الأوصاف بلغت في الكثرة إلى حد يقطع بتغير الماء بها لو كانت ذات أوصاف ، فقد حصل موجب التنجيس حقيقة الذي هو غلبة النجاسة وزيادتها على الماء.
وبالجملة فإنا نقول : كما ان الموجب لنجاسة القليل على المشهور مجرد ملاقاة النجاسة وان قلت ، فالمنجس للكثير كثرتها وغلبتها. واناطة ذلك بالتغير في تلك الأوصاف انما هو لكونه مظهرا لها غالبا ، فمع حصولها بدونه تكون موجبة للتنجيس (١).
ويؤيد ذلك ايضا ما صرح به المحقق الثاني من ان عدم التقدير يفضي الى جواز الاستعمال وان زادت النجاسة أضعافا ، وهو كالمعلوم البطلان.
والجواب ـ بأنه مع استهلاك النجاسة الماء لكثرتها يثبت التنجيس قولا واحدا ـ مما يؤيد ما حققناه آنفا من ان الاعتبار بغلبة النجاسة وكثرتها على الماء وان تفاوت ذلك
__________________
(١) وممن جنح الى ما ذكرناه في هذا المقام الفاضل السيد نور الدين بن ابى الحسن في شرح المختصر ، حيث قال ـ بعد نقل كلام أخيه السيد السند في المدارك ـ ما صورته : «ويشكل ذلك إذا فسر التغير بالاستيلاء ولم يكتف بمطلق التغير كما تشعر به عبارة المصنف وهو الأوفق بالحكمة ، إذ الظاهر ان علة النجاسة غلبة النجس على الظاهر حتى صار مقهورا معه فيضعف حكمه ، وصدق التغير عليه بهذا المعنى حاصل على التقديرين ، فكيف يدعى صحة سلبه عنه إذا لم يكن حسيا؟» انتهى كلامه زيد مقامه (منه رحمهالله).