والتحقيق ـ في هذا المقام بتوفيق الملك العلام وبركة أهل الذكر (عليهمالسلام) ـ ان يقال : ان مقتضى الأخبار الواردة في الكر ـ القائلة بأنه إذا بلغ الماء كرا لم ينجسه شيء ، الدالة بمنطوقها على انه مع العلم ببلوغ الكرية لا ينجسه شيء ، وبمفهومها الذي هو حجة صريحة صحيحة على انه مع العلم بعدم بلوغه كرا ينجس بالملاقاة ـ تعليق الحكم بنجاسة ذلك الماء على العلم بعدم بلوغه كرا ، وتعليق الحكم بطهارته على العلم ببلوغه كرا (١) ومقتضى هذين التعليقين ـ ومقتضى الأخبار الدالة على وجوب التوقف في كل ما لم يعلم حكمه على التعيين ـ هو وجوب التوقف عن الحكمين والوقوف على جادة الاحتياط في العمل. قولهم ـ : الاحتياط ليس بدليل شرعي ـ على إطلاقه ممنوع ، لما عرفت في المقدمة الرابعة من ان الاحتياط في مثل هذه الصورة من الأدلة الشرعية كما صرحت به الاخبار ، ومنها : الخبران المتقدمان (٢) والمعارضة التي ذكرها المجيب مندفعة بأنه قد ظهرت الدلالة على وجوب الاحتياط ، وانه دليل شرعي على وجوب الاجتناب عن هذا الماء ، فالاحتياط الذي ذكره المعارض غير متجه. وان أردت مزيد إيضاح للفرق بين الاحتياط الواجب الذي هو أحد الأدلة الشرعية والمستحب الذي توهموا حمل ذلك الفرد الآخر عليه ، فارجع الى ما حققناه في المقدمة المذكورة. على ان قول القائل : الأصل عدم بلوغ الكرية لا ينطبق على شيء من معاني الأصل التي صرحوا بها كما تقدم في المقدمة الثالثة في بحث
__________________
(١) ووجه أخذ العلم من جانب المنطوق والمفهوم ما تقدم لك بيانه في المقدمة الحادية عشرة من ان مناط الحكم بالطهارة والنجاسة هو علم المكلف بذلك لا مجرد كونه كذلك واقعا كما تقدم بيانه ثمة مبرهنا مشروحا (منه رحمهالله).
(٢) وهما صحيحة عبد الرحمن بن الحجاج وحسنة بريد الكناسي المتقدمتان في الصحيفة ٢٥٦.