وأجيب عن ذلك ، اما عن أول دليلي المرتضى (رضياللهعنه) فبأنه محض قياس لا يعمل به ، إذ استهلاك النجاسة الذي دل النص عليه إنما هو بعد البلوغ ، فالحلق استهلاك النجاسة الواقعة قبل البلوغ بذلك قياس محض. على ان الفارق موجود ، وهو ان الماء بعد البلوغ له قوة في قهر النجاسة إذا وردت عليه بخلافه قبل ، لانقهاره بالنجاسة فلا يصير قاهرا لها.
واما عن ثانيهما فبأن الحكم بالطهارة في صورة دعوى الإجماع إنما هو بناء على أصالة الطهارة حتى تعلم النجاسة. والنجاسة هنا غير معلومة ، لاحتمال تأخرها عن البلوغ ، إذ عدم العلم بتقدم الوقوع وتأخره يقتضي الشك في التقدم الذي هو سبب النجاسة ، فلا جرم تكون النجاسة مشكوكا فيها.
واما عن أدلة ابن إدريس فبما ذكره المحقق في المعتبر ، حيث قال ـ ونعم ما قال ـ وتنازعني نفسي إلا ان أذكره بتمامه ، فإنه جيد رشيق ، وبالإثبات ـ وان طال به زمام الكلام ـ حقيق واي حقيق ، قال (قدسسره) بعد نقل الأدلة المذكورة : «فالجواب دفع الخبر ، فانا لم نروه مسندا ، والذي رواه مرسلا المرتضى (رضياللهعنه) والشيخ أبو جعفر (رحمهالله) وآحاد ممن جاء بعده. والخبر المرسل لا يعمل به. وكتب الحديث عن الأئمة (عليهمالسلام) خالية منه أصلا. واما المخالفون فلم اعرف به عاملا سوى ما يحكى عن ابن حي ، وهو زيدي منقطع المذهب وما رأيت أعجب ممن يدعي إجماع المخالف والمؤالف فيما لا يوجد إلا نادرا ، فاذن الرواية ساقطة. واما أصحابنا فرووا عن الأئمة (عليهمالسلام) «إذا كان الماء قدر كر لم ينجسه شيء» (١). وهذا صريح في ان بلوغه كرا هو المانع لتأثره بالنجاسة. ولا
__________________
وأبو داود في السنن ج ١ ص ٦٢ ، وابن حجر في مجمع الزوائد ج ١ ص ٢٧١ ، ورواه ايضا ابن ماجة في السنن ج ١ ص ٢٠٣ هكذا «اما انا فاحثو على رأسي ثلاثا».
(١) رواه صاحب الوسائل في الباب ـ ٩ ـ من أبواب الماء المطلق.