يا خير من مدّت الأيدي إليه أما |
|
ترثي لشيخ نعاه عندك القلم |
بالغت في السّخط فاصفح صفح مقتدر |
|
إنّ الملوك إذا ما استرحموا رحموا |
فأجابه المنصور بأبيات لعبد الملك الجزيري : [البسيط]
يا جاهلا بعد ما زلّت بك القدم |
|
تبغي التكرّم لمّا فاتك الكرم |
ندمت إذ لم تعد منّي بطائلة |
|
وقلّما ينفع الإذعان والنّدم |
نفسي إذا جمحت ليست براجعة |
|
ولو تشفّع فيك العرب والعجم |
فبقي في المطبق حتى مات ، نعوذ بالله تعالى من دعوة المظلوم ، انتهى.
وقد ذكر بعضهم فيه هذه الأبيات زيادة حسبما ذكرناه في غير هذا المحل ، فإن هذه الأبيات للمنصور ، وهذا المؤرخ مصرح بأنها لعبد الملك الجزيري ، وقد يقال : لا منافاة بينهما ، فإن المنصور أجاب بالأبيات ، وهل هو قائلها أم لا؟ الأمر أعم ، فبين هنا ، والله أعلم.
وقال بعض مؤرخي المغرب : إن الحاجب المصحفي حصل له في هذه النكبة من الهلع والجزع ما لم يظن أنه يصدر من مثله ، حتى إنه كتب إلى المنصور بن أبي عامر يطلب منه أن يقعد في دهليزه معلما لأولاده ، فقال المنصور بدهائه وحذفه : إن هذا الرجل يريد أن يحط من قدري عند الناس ، لأنهم طالما رأوني بدهليزه خادما ومسلما ، فكيف يرونه الآن في دهليزي معلما؟! وكان المنصور يذهب به بعد نكبته معه في غزواته ، حتى إنه حكى بعضهم أنه رأى الحاجب المصحفي في ليلة نهى المنصور فيها الناس عن إيقاد النيران تعمية على العدو الكافر ، وهو ينفخ فحما في كانون صغير ويخفيه تحت ثيابه ، أو كما قال ، فسبحان مديل (١) الدول ، لا إله إلا هو ، فإن هذا المصحفي بلغ من الجلالة والعظم (٢) والتحكم في الدولة المدة المديدة أمرا لا مزيد عليه ، والله وارث الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين.
ولقد ذكر بعض علماء (٣) المغاربة أن من أعاجيب انقلاب الدنيا بأهلها قصة المنصور بن أبي عامر مع الحاجب جعفر بن عثمان المصحفي ، ولم يزل أعداء المنصور بن أبي عامر يتربّصون به الدوائر ، فغلب سعده الذي هو المثل السائر ، وربما همس بعض الشعراء بهجوه
__________________
(١) مديل الدول : يقال : دالت له دولة ، أي صارت إليه. ومديل الدول : الذي ينقلها من إنسان إلى آخر ، وهو مالك الملك سبحانه.
(٢) في ب : والعظمة.
(٣) في ب ، ه : بعض العلماء المغاربة.