وحجّ إليك الرّكن والمرو والصّفا |
|
فأنت لذاك الحجّ حجّ ومقصد |
مشاعرها الأجسام والرّوح أمركم |
|
ومنكم لها يرضى المقام المخلّد |
فلله حجّ واعتمار وزورة |
|
أتتنا ولم يبرحك بالغرب مشهد |
ولله سبع نيّرات تقارنت |
|
بها فئة الإسلام تحمى وتسعد(١) |
إذا لم يكن إلّا فناءك عصمة |
|
فماذا الّذي يرجو القصيّ المبعّد |
فدم للورى غيثا وعزّا ورحمة |
|
فقربك في الدارين منج ومسعد |
وزادت بك الأعياد حسنا وبهجة |
|
كأنّك للأعياد زيّ مجدّد |
ولا زلت للأيّام تبلي جديدها |
|
وعمرك في ريعانه ليس ينفد |
ثم إنهم أدام الله سبحانه تأييدهم ، ووصل سعودهم ، لما أرادوا من المبالغة في تعظيم المصحف المذكور ، واستخدام البواطن والظواهر فيما يجب له من التوقير والتعزير (٢) ، شرعوا في انتخاب كسوته ، وأخذوا في اختيار حليته ، وتأنقوا في استعمال أحفظته ، وبالغوا في استجادة أصونته (٣) ، فحشروا له الصّنّاع المتقنين والمهرة المتفنّنين ممن كان بحضرتهم العلية ، أو سائر بلادهم القريبة والقصيّة ، فاجتمع لذلك حذّاق كل صناعة ، ومهرة كل طائفة من المهندسين والصواغين والنظامين والحلائين (٤) والنقاشين والمرصّعين والنجارين والزواقين والرسامين والمجلدين وعرفاء البنائين ، ولم يبق من يوصف ببراعة ، أو ينسب إلى الحذق في صناعة ، إلا أحضر للعمل فيه ، والاشتغال بمعنى من معانيه ، فاشتغل أهل الحيل الهندسية بعمل أمثلة مخترعة ، وأشكال مبتدعة ، وضمنوها من غرائب الحركات ، وخفي إمداد الأسباب للمسببات ، ما بلغوا فيه منتهى طاقتهم ، واستفرغوا فيه جهد قوتهم ، والهمة العلية أدام الله سموها تترقى فوق معارجهم (٥) وتتخلص كالشهاب الثاقب وراء موالجهم (٦) ، وتنيف على ما ظنوه الغاية القصوى من لطيف مدارجهم ، فسلكوا من عمل هذه الأمثلة كل شعب (٧) ، ورأبوا
__________________
(١) في ج : تحيا وتسعد.
(٢) التعزير : التعظيم والتوقير ، وفي القرآن (لِتُؤْمِنُوا بِاللهِ وَرَسُولِهِ وَتُعَزِّرُوهُ).
(٣) الأصونة : جمع صوان ، وهو ما يحفظ فيه الشيء.
(٤) الحلائين : صانعي الحلي.
(٥) المعارج : السلالم.
(٦) الموالج : المداخل.
(٧) الشعب : الصدع.