وقال محمد بن لبابة (١) : فقيه الأندلس عيسى بن دينار ، وعالمها عبد الملك بن حبيب ، وراويها يحيى بن يحيى.
وكان عبد الملك قد جمع إلى علم الفقه والحديث علم اللغة والإعراب ، وتصرف في فنون الآداب ، وكان له شعر يتكلم به متبحرا ، ويرى ينبوعه بذلك متفجرا ، وتوفي بالأندلس في رمضان سنة ٢٣٨ وهو ابن ثلاث وخمسين بعد ما جال في الأرض ، وقطع طولها والعرض ، وجال في أكنافها ، وانتهى إلى أطرافها.
ومن شعره قوله : [السريع]
قد طاح أمري والذي أبتغي |
|
هين على الرّحمن في قدرته |
ألف من الحمر وأقلل بها |
|
لعالم أربى على بغيته |
زرياب قد أعطيها جملة |
|
وحرفتي أشرف من حرفته(٢) |
وكتب إلى الزجاليّ (٣) رسالة وصلها بهذه الأبيات : [السريع]
كيف يطيق الشّعر من أصبحت |
|
حالته اليوم كحال الغرق |
والشّعر لا يسلس إلّا على |
|
فراغ قلب واتّساع الخلق |
فاقنع بهذا القول من شاعر |
|
يرضى من الحظّ بأدنى العنق(٤) |
فضلك قد بان عليه كما |
|
بان لأهل الأرض ضوء الشّفق |
أمّا ذمام الودّ منّي لكم ا |
|
فهو من المحتوم فيما سبق |
ولم يكن له علم بالحديث يعرف به صحيحه من معتله ، ويفرق مستقيمه من مختله (٥) ، وكان غرضه الإجازة ، وأكثر رواياته غير مستجازة ، قال ابن وضاح : قال إبراهيم بن المنذر : أتى صاحبكم الأندلس ـ يعني عبد الملك هذا ـ بغرارة مملوءة ، فقال لي : هذا علمك ، قلت له : نعم ، ما قرأ علي منه حرفا ولا قرأته عليه.
وحكى أنه قال في دخوله المشرق وحضر مجلس بعض الأكابر فازدراه من رآه : [البسيط]
__________________
(١) محمد بن لبابة : هو محمد بن لبابة القرطبي الفقيه ، توفي سنة ٣١٤ ه (ابن الفرضي ج ، ص ٣٦).
(٢) زرياب : مغنّ قدم الأندلس وعاش فيها واشتهر.
(٣) في المطمح : وكتب إلى محمد بن سعيد الترحالي.
(٤) العنق ، بفتح العين والنون : السير السريع.
(٥) في ب ، ه : ولا يفرق بين مستقيمه ومختله.