طابت بطيب لثاتك الأقداح |
|
وزهت بحمرة خدّك التّفّاح |
وإذا الرّبيع تنسّمت أرواحه |
|
طابت بطيب نسيمك الأرواح(١) |
وإذا الحنادس ألبست ظلماءها |
|
فضياء وجهك في الدّجى مصباح |
(٢) فكتبها القاضي في ظهر يده ، وخرج من عنده ، قال يونس بن عبد الله : فلقد رأيته يكبر للصلاة على الجنازة والأبيات مكتوبة على ظهر كفه.
وكان رحمه الله تعالى في غاية اللطف ، حكى بعض أصحابه قال : ركبنا معه في موكب حافل من وجوه الناس ، إذ عرض لنا فتّى متأدب قد خرج من بعض الأزقّة سكران يتمايل ، فلما رأى القاضي هابه ، وأراد الانصراف ، فخانته رجلاه ، فاستند إلى الحائط ، وأطرق ، فلما قرب القاضي رفع رأسه وأنشأ (٣) يقول : [الطويل]
ألا أيّها القاضي الّذي عمّ عدله |
|
فأضحى به بين الأنام فريدا |
قرأت كتاب الله تسعين مرّة |
|
فلم أر فيه للشّراب حدودا |
فإن شئت جلدا لي فدونك منكبا |
|
صبورا على ريب الزّمان جليدا |
وإن شئت أن تعفو تكن لك منّة |
|
تروح بها في العالمين حميدا |
وإن أنت تختار الحديد فإنّ لي |
|
لسانا على هجو الزّمان حديدا |
فلما سمع شعره وميز أدبه أعرض عنه وترك الإنكار عليه ، ومضى لشأنه ، انتهى ملخصا من المطمح.
ورأيت بخطي في بعض مسوّداتي ما صورته : محمد بن عبد الله بن يحيى بن يحيى الليثي قاضي الجماعة بقرطبة ، سمع عم أبيه عبيد الله بن يحيى ومحمد بن عمر بن لبابة وأحمد بن خالد ، ورحل من قرطبة سنة ٣١٣ (٤) ، ودخل مصر ، وحج ، وسمع بمكة من ابن المنذر والعقيلي وابن الأعرابي (٥) ، وكان حافظا ، معتنيا بالآثار ، جامعا للسّنن ، متصرفا في علم الإعراب ، ومعاني الشعر ، شاعرا مطبوعا ، وشاوره القاضي أحمد بن بقي ، واستقضاه الناصر
__________________
(١) في ه : تنسمت أدواحه ... الأدواح.
(٢) الحنادس : جمع حندس ، وهو الليل الشديد الظلمة.
(٣) في تاريخ قضاة الأندلس : ثم أنشأ يقول : (تاريخ قضاة الأندلس ص ٦١).
(٤) في ب : سنة ٣١٢.
(٥) في ب : وابن الأعرابي وغيرهم.