صاحب حديث وفقه وجدل ، وله كتب كثيرة في المنطق والفلسفة لم يخل فيها من غلط ، وكان شافعي المذهب ، يناضل الفقهاء (١) عن مذهبه ثم صار ظاهريا ، فوضع الكتب في هذا المذهب ، وثبت عليه إلى أن مات ، وكان له تعلق بالأدب ، وشنّع عليه الفقهاء ، وطعنوا فيه ، وأقصاه الملوك وأبعدوه عن وطنه ، وتوفي بالبادية عشية يوم الأحد لليلتين بقيتا من شعبان سنة ست وخمسين وأربعمائة.
وقال صاعد في تاريخه : كان ابن حزم أجمع أهل الأندلس قاطبة لعلوم الإسلام ، وأوسعهم معرفة ، مع توسعه في علم اللسان والبلاغة والشعر والسير والأخبار ، أخبرني ابنه الفضل (٢) أنه اجتمع عنده بخط أبيه من تواليفه نحو أربعمائة مجلد ، نقله عن تاريخ صاعد الحافظ الذهبي.
قال الذهبي : وهو العلامة أبو محمد علي بن أحمد بن سعيد بن حزم بن غالب بن صالح ، الأموي ، مولاهم ، الفارسي الأصل ، الأندلسي ، القرطبي ، الظاهري ، صاحب المصنفات ، وأول سماعه سنة ٣٩٩ ، وكان إليه المنتهى في الذكاء وحدّة الذهن وسعة العلم بالكتاب والسنة والمذاهب والملل والنّحل والعربية والآداب والمنطق والشعر ، ومع الصدق والديانة والحشمة والسؤدد والرياسة والثروة وكثرة الكتب.
قال الغزالي رحمه الله تعالى : وجدت في أسماء الله تعالى كتابا لأبي محمد بن حزم يدل على عظم حفظه وسيلان ذهن ، انتهى باختصار.
وعلى الجملة فهو نسيج وحده ، لو لا ما وصف به من سوء الاعتقاد ، والوقوع في السلف الذي أثار عليه الانتقاد ، سامحه الله تعالى!.
وذكر الذهبي أن عمره اثنتان وسبعون سنة ، وهو لا ينافي قول غيره «إنه كان عمره إحدى وسبعين سنة وعشرة أشهر» لأنه ولد رحمه الله تعالى بقرطبة بالجانب الشرقي في ربض منية المغيرة قبل طلوع الشمس وبعد سلام الإمام من صلاة الصبح آخر ليلة الأربعاء آخر يوم من شهر رمضان ، سنة أربع وثمانين وثلاثمائة ، بطالع العقرب ، وتوفي ليومين بقيا من شعبان سنة ٤٥٦ ، وكان كثير المواظبة على التأليف ، ومن جملة تآليفه كتاب «الفصل ، بين أهل الأهواء
__________________
(١) يناضل الفقهاء : أراد يجادلهم.
(٢) سيذكر المؤلف الفضل أبا رافع بن حزم ، وسيذكر عدد مؤلفات ابن حزم التي وجدت عند ابنه ، وكان أبو رافع أديبا موفور الذكاء ، توفي سنة ٤٧٩ ه.