ودع عنك كلّ رسول سوى |
|
رسول يقال له الدّرهم |
وكان كثيرا ما ينشد (١) : [الرمل]
إنّ لله عبادا فطنا |
|
طلّقوا الدّنيا وخافوا الفتنا |
فكّروا فيها فلمّا علموا |
|
أنّها ليست لحيّ وطنا |
جعلوها لجّة واتّخذوا |
|
صالح الأعمال فيها سفنا |
وقال رحمه الله تعالى : كنت ليلة نائما بالبيت المقدس إذ سمعت في الليل صوتا حزينا ينشد : [الطويل]
أخوف ونوم ، إنّ ذا لعجيب |
|
ثكلتك من قلب فأنت كذوب |
أما وجلال الله لو كنت صادقا |
|
لما كان للإغماض فيك نصيب |
قال : فأيقظ النوّام ، وأبكى العيون.
وكان رحمه الله تعالى زاهدا ، عابدا (٢) ، متورعا ، متقللا من الدنيا ، قوّالا للحق.
وكان يقول : إذا عرض لك أمران (٣) أمر دنيا وأخرى ، فبادر بأمر الأخرى يحصل لك أمر الدنيا والأخرى ، وله طريقة في الخلاف.
ودخل مرة على الأفضل بن أمير الجيوش فوعظه ، وقال له : إن الأمر الذي أصبحت فيه من الملك إنما صار إليك بموت من كان قبلك ، وهو خارج عن يدك بمثل ما صار إليك ، فاتق الله فيما خوّلك من هذه الأمة ، فإن الله عز وجل سائلك عن النقير والقطمير والفتيل ، واعلم أن الله عز وجل آتى سليمان بن داود ملك الدنيا بحذافيرها فسخر له الإنس والجن والشياطين والطير والوحوش (٤) والبهائم ، وسخر له الريح تجري بأمره رخاء حيث أصاب ، ورفع عنه حساب ذلك أجمع ، فقال عز من قائل : (هذا عَطاؤُنا فَامْنُنْ أَوْ أَمْسِكْ بِغَيْرِ حِسابٍ) (٣٩) [ص : ٣٩] فما عدّ ذلك نعمة كما عددتموها ، ولا حسبها كرامة كما حسبتموها ، بل خاف أن يكون استدراجا من الله عز وجل ، فقال : (هذا مِنْ فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ) [النمل : ٤٠] فافتح الباب ، وسهل الحجاب ، وانصر المظلوم.
__________________
(١) جاء في الصلة أن هذه الأبيات له ، وقد وردت في ديوان الشافعي.
(٢) عابدا : غير موجودة في ب.
(٣) أمران : غير موجودة في ب.
(٤) في ب : والوحش.