الصيرفي ، وطراد
الزينبي ، والحميدي ، وغيرهم ، وتفقه عند أبي بكر الشاشي وغيره ، ثم رحل منها سنة
سبع وثمانين ، فسمع بدمشق من أبي الفتح نصر المقدسي وأبي الفرج الإسفرايني وغيرهما ، وسمع بمصر من القاضي أبي الحسن الخلعي وأبي
العباس أحمد بن إبراهيم الرازي ، وأجاز له الحبال مسند مصر في وقته ومكثرها ، وسمع
بالإسكندرية من أبي القاسم الوراق وشعيب بن سعيد وغيرهما ، ووصل إلى الأندلس في صفر من سنة
سبعين وأربعمائة ، وقصد مرسية ، فاستوطنها ، وقعد يحدّث الناس بجامعها ،
ورحل الناس من البلدان إليه ، وكثر سماعهم عليه ، وكان عالما بالحديث وطرقه ،
عارفا بعلله ، وأسماء رجاله ونقلته ، وكان حسن الخط جيد الضبط ، وكتب بخطه علما
كثيرا ، وقيّده ، وكان حافظا لمصنفات الحديث ، قائما عليها ، ذاكرا لمتونها
وأسانيدها ورواتها ، وكتب منها صحيح البخاري في سفر ، وصحيح مسلم في سفر ، وكان قائما على الكتابين مع مصنّف
أبي عيسى الترمذي ، وكان فاضلا ، ديّنا ، متواضعا ، حلوما ، وقورا ، عالما ، عاملا
، واستقضي بمرسية ، ثم استعفى فأعفي ، وأقبل على نشر العلم وبثّه.
وقد ذكره أبو
القاسم بن عساكر في تاريخه لدخوله الشام ، قال : وبعد أن استقرت به النوى ،
واستمرت إفادته بما قيد وروى ، رفعته ملوك أوانه ، وشفّعته في مطالب إخوانه ،
فأوسعته رعيا ، وأحسنت فيه رأيا ، ومن أبنائهم من جعل يقصده ، لسماع يسنده ، وعلى
وقاره الذي كان به يعرف ، ندر له مع بعضهم ما يستطرف ، وهو أن فتى يسمى يوسف لازم مجلسه ، معطرا رائحته ومنظفا
ملبسه ، ثم غاب لمرض قطعه ، أو شغل منعه ، ولما فرغ أو أبلّ ، عاود ذلك النادي المبارك والمحل ، وقبل إفضائه إليه ،
دلّ طيبه عليه ، فقال الشيخ على سلامته من المجون ، وخلاصه من الفتون (إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْ لا
أَنْ تُفَنِّدُونِ) [يوسف : ٩٤] وهي
من طرف نوادره ، رحمة الله عليه.
ولما قلّد قضاء
مرسية وعزم عليه صاحب الأمر فيه فر إلى المرية فأقام بها سنة خمس وبعض سنة ست
وخمسمائة ، وفي سنة ست قبل قضاءها على كره إلى أن استخفى آخر سنة
__________________