أبي حامد الغزالي من تصانيفه ، ثم انصرف إلى ديار مصر فصحب ابن نادر إلى حين وفاته بالإسكندرية ، ولقي أبا طاهر بن عوف وأبا عبد الله بن مسلم القرشي وأبا طاهر السّلفي وأبا زكريا الزناتي وغيرهم ، فأخذ عنهم ، وكان قد كتب إليه منها أبو بكر الطّرطوشي وأبو الحسن بن مشرّف الأنماطي ، ولقي في صدره بالمهدية أبا عبد الله المازري فسمع منه بعض كتاب المعلم ، وأجاز له باقيه ، وعاد إلى مرسية في سنة ست وعشرين ، وقد حصل في رحلته علوما جمة ورواية فسيحة ، وكان عارفا بالسنن والآثار ، مشاركا في علم القرآن وتفسيره ، حافظا للفروع ، بصيرا باللغة والغريب ، ذا حظ من علم الكلام ، مائلا إلى التصوف ، مؤثرا له ، أديبا بليغا خطيبا فصيحا ، ينشئ الخطب مع الهدي والسّمت والوقار والحلم ، جميل الشارة (١) ، محافظا على التلاوة بالخشوع (٢) ، راتبا على الصوم ، وولي خطة الشورى بمرسية مضافة إلى الخطبة بجامعها ، وأخذ في إسماع الحديث وتدريس الفقه ، ثم ولي القضاء بها بعد انقراض دولة الملثمين ، ونقل إلى قضاء شاطبة فاتخذها وطنا ، وكان يسمع الحديث بها وبمرسية وبلنسية ، ويقيم الخطب أيام الجمع في جوامع هذه الأمصار الثلاثة متعاقبا عليها ، وقد حدث بالمرية وهناك أبو الحسن بن موهب وأبو محمد الرّشاطي وغيرهما ، وسمع منه أبو الحسن بن هذيل جامع الترمذي ، وألف كتابه «شجرة الوهم ، المترقية إلى ذروة الفهم» ولم يسبق إلى مثله ، وليس له غيره ، وجمع فهرسة حافلة.
ووصفه غير واحد بالتّفنّن في العلوم والمعارف ، والرسوخ في الفقه وأصوله ، والمشاركة في علم الحديث والأدب.
وقال ابن عياد في حقه : إنه كان صليبا في الأحكام ، مقتفيا للعدل ، حسن الخلق والخلق ، جميل المعاملة ، لين الجانب ، فكه المجالسة ، ثبتا ، حسن الخط ، من أهل الإتقان والضبط.
وحكي أنه كانت عنده أصول حسان بخط عمه ، مع الصحيحين بخط الصّدفي ، في سفرين ، قال : ولم يكن عند شيوخنا مثل كتبه في صحتها وإتقانها وجودتها ، ولا كان فيهم من رزق عند الخاصة والعامة من الحظوة والذكر وجلالة القدر ما رزقه.
وذكره أبو سفيان أيضا وأبو عمر بن عات ، ورفعوا جميعا بذكره.
__________________
(١) جميل الشارة : جميل الهيئة.
(٢) في ب : محافظا على التلاوة ، بادي الخشوع.