مالك ، الإمام ، العلامة ، الأوحد ، الطائي ، الجيّاني ، المالكي حين كان بالمغرب ، الشافعي حين انتقل إلى المشرق ، النحوي ، نزيل دمشق.
ولد سنة ستمائة أو في التي بعدها ، وسمع بدمشق من مكرم وأبي صادق الحسن بن صبّاح وأبي الحسن السخاوي وغيرهم ، وأخذ العربية عن غير واحد ، فممن أخذ عنه بجيّان أبو المظفر ، وقيل : أبو الحسن ، ثابت بن خيار (١) ، عرف بابن الطيلسان ، وأبي رزين ، بن ثابت بن محمد يوسف بن خيار الكلاعي من أهل لبلة ، وأخذ القراءات عن أبي العباس أحمد بن نوّار ، وقرأ كتاب سيبويه على أبي عبد الله بن مالك المرشاني ، وجالس يعيش وتلميذه ابن عمرون وغيره بحلب ، وتصدر بها لإقراء العربية ، وصرف همته إلى إتقان لسان العرب ، حتى بلغ فيه الغاية ، وأربى على المتقدمين ، وكان إماما في القراءات ، وعالما بها ، وصنف فيها قصيدة دالية مرموزة في قدر الشاطبية (٢) ، وأما اللغة فكان إليه المنتهى فيها.
قال الصفدي : أخبرني أبو الثناء محمود قال : ذكر ابن مالك يوما ما انفرد به صاحب المحكم عن الأزهري في اللغة ، قال الصفدي : وهذا أمر معجز ، لأنه يحتاج إلى معرفة جميع ما في الكتابين ، وأخبرني عنه أنه كان إذا صلى في العادلية ـ لأنه كان إمام المدرسة ـ يشيعه قاضي القضاة شمس الدين بن خلكان إلى بيته تعظيما له.
وقد روى عنه الألفية شهاب الدين محمود المذكور ، ورواها الصفدي خليل عن شهاب الدين محمود قراءة ، ورواها إجازة عن ناصر الدين شافع بن عبد الظاهر وعن شهاب الدين بن غانم بالإجازة عنهما عنه.
وأما النحو والتصريف فكان فيهما ابن مالك بحرا لا يشقّ لجّه ، وأما اطلاعه على أشعار العرب التي يستشهد بها على النحو واللغة فكان أمرا عجيبا ، وكان الأئمة الأعلام يتحيرون في أمره ، وأما الاطلاع على الحديث فكان فيه آية ، لأنه كان أكثر ما يستشهد بالقرآن ، فإن لم يكن فيه شاهد عدل إلى الحديث ، وإن لم يكن فيه شيء عدل إلى أشعار العرب ، هذا مع ما هو
__________________
(١) هكذا في غاية النهاية (ج ٢ ص ١٨٠). أما في بغية الوعاة فيوجد ثابت بن محمد بن يوسف بن حيان الكلاعي (ج ١ ص ٤٨٢).
(٢) وله في القراءات قصيدة دالية فيها :
ولا بد من نظمي قوافي تحتوي |
|
لما قد حوى حرز الأماني وأزيدا |
وقصيدة لامية أولها :
يذكر إلهي خامدا ومبسملا |
|
بدأت فأولى القول يبدأ أولا |
(غاية النهاية ج ٢ ص ١٨٠).