يا بأبي الشخص الذي لا أرى |
|
أحلى على قلبي ، ولا أعذبا(١) |
إن قلت يوما إنّ عيني رأت |
|
مشبهه أم أعد أن أكذبا |
قالت أرى فوديه قد نوّرا |
|
دعابة توجب أن أدعبا(٢) |
قلت لها : ما باله؟ إنه |
|
قد ينتج المهر كذا أشهبا |
فاستضحكت عجبا بقولي لها |
|
وإنما قلت لكي تعجبا |
قال : ولما فهمها الترجمان شعر الغزال ضحكت ، وأمرته بالخضاب ، فغدا عليها وقد اختضب وقال [بحر الكامل] :
بكرت تحسّن لي سواد خضابي |
|
فكأن ذاك أعادني لشبابي |
ما الشيب عندي والخضاب لواصف |
|
إلا كشمس جلّلت بضباب |
تخفي قليلا ثم يقشعها الصّبا |
|
فيصير ما سترت به لذهاب |
لا تنكري وضح المشيب فإنما |
|
هو زهرة الأفهام والألباب |
فلديّ ما تهوين من زهو (٣) الصبا |
|
وطلاوة الأخلاق والآداب |
وحكى ابن حيان في «المقتبس» أن الأمير عبد الرحمن بن الحكم المرواني وجّه شاعره الغزال إلى ملك الروم ، فأعجبه حديثه ، وخف على قلبه ، وطلب منه أن ينادمه ، فامتنع من ذلك ، واعتذر بتحريم الخمر ، وكان يوما جالسا عنده ، وإذا بزوجة الملك قد خرجت وعليها زينتها ، وهي كالشمس الطالعة حسنا ، فجعل الغزال لا يميل طرفه عنها ، وجعل الملك يحدثه وهولاه عن حديثه ، فأنكر ذلك عليه ، وأمر الترجمان بسؤاله ، فقال له : عرّفه أني قد بهرني من حسن هذه الملكة ما قطعني عن حديثه ، فإني لم أر قط مثلها ، وأخذ في وصفها والتعجب من جمالها ، وأنها شوقته إلى الحور العين ، فلما ذكر الترجمان ذلك للملك تزايدت حظوته عنده ، وسرّت الملكة بقوله ، وأمرت الترجمان أن يسأله عن السبب الذي دعا المسلمين إلى الختان ، وتجشّم المكروه فيه ، وتغيير خلق الله ، مع خلوّه من الفائدة ، فقال للترجمان : عرفها أن فيه أكبر فائدة ، وذلك أن الغصن إذا زبر قوي (٤) ، واشتد ، وغلظ ، وما دام لا يفعل به ذلك لا يزال رقيقا ضعيفا ، فضحكت وفطنت لتعريضه ، انتهى.
__________________
(١) بأبي : أفدي بأبي.
(٢) الفودان : مثنى فود ، وهو الشعر الذي على جانب الرأس مما يلي الأذنين.
(٣) في ب : «شأن».
(٤) زبر الغصن : هذّبه بالقطع وشذّبه.