يوما وهو يقول في وضوئه : اللهم حاسبني حسابا يسيرا ، ولا تحاسبني حسابا عسيرا ، فقال له : يا خوند على أي شيء يحاسبك حسابا عسيرا؟ إذا قال لك : أين أموال الخلق التي أخذتها؟ فقل له : تراها بأمانتها في الكرك ، وكان قد صنع بهذا المعقل الحسرات ، سميت بذلك لأن من رآها يتحسر إذا نظرها ، ولا يستطيع على شيء منها بحيلة ، وهي خواب (١) مفروعة من ذهب وفضة تركت بمرأى من الناظرين ليشتهر ذلك في الآفاق.
وقال العادل مرة ، وقد جرى ذكر البرامكة وأمثالهم ممن ذكر في كتاب «المستجاد ، في حكايات الأجواد» : إنما هذا كذب مختلق من الورّاقين ومن المؤرخين ، يقصدون بذلك أن يحركوا همم الملوك والأكابر للسخاء وتبذير الأموال فقال خضير : يا خوند ، ولأي شيء لا يكذبون عليك؟.
قال ابن سعيد : من وقف على حكايات أبي العيناء مع عبيد الله بن سليمان يجد مثل هذه الحكاية.
قال ابن سعيد : ووجدت الشهاب القوصي قد ذكر السلطان العادل في كتاب (٢) «المعاجم» وابتدأ الكتاب المذكور بمحاسنه والثناء عليه ، وخرّج عنه الحديث النبوي عن الحافظ السّلفي ، وتمثل فيه عند وفاته : [بحر الوافر]
ألام على بكائي خير ملك |
|
وقلّ له بكائي بالنّجيع |
به كان الشباب جميع عمري |
|
ودهري كله زمن الربيع |
ففرّق بيننا زمن خؤون |
|
له شغف بتفريق الجميع |
قال ابن سعيد : ودفن العادل بالمدرسة العادلية بدمشق ، وكان أنشأها للشافعية ، وهي في نهاية الحسن ، وبها خزانة كتب ، فيها تاريخ ابن عساكر ، وذيل هذا التاريخ واختصره أبو شامة ، سمعت عليه منه هنالك ما تيسر أيام إقامتي بدمشق.
وأولاد العادل ملوك البلاد في صدر هذه المائة السابعة ، منهم الكامل والمعظم والأشرف ، وهؤلاء الثلاثة شهروا بالفضل وحب الفضلاء وقول الشعراء ، انتهى.
__________________
(١) خواب : جمع خابية ، وهي الجرة الكبيرة.
(٢) في ب : «تاج المعاجم. هو كتاب تاج المعاجم لإسماعيل بن حامد بن عبد الرحمن الأنصاري الخزرجي القوصي وهذا الكتاب فيمن لقيه المؤلف من المحدثين.