الحظوة والأخذ في أمور الناس ، وأثنى عليه ، وذكره السهيلي في «شرح السيرة الشريفة» (١) حيث ذكر الكتاب الموجّه من رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى هرقل وأن محمد بن عبد الملك عاينه عند أدفونش (٢) مكرما مفتخرا به ، والقصة مشهورة ، ومدحه الرصافي بقصيدة أوّلها : [بحر الكامل]
ذهنا يفيض وخاطرا متوقدا |
|
ما ذا عسى يثنى على علم الندى |
ولما أنشده قصيدته فيه التي أولها [الكامل] :
لمحلّك الترفيع والتعظيم |
|
ولوجهك التقديس والتكريم |
حلف لا يسمعها ، وقال : عليّ إجازتك ، ولكن طباعي لا تحمل مثل هذا ، فقال له الرصافي : ومن مثلك يستحق هذا في الوقت غيرك؟ فقال له : دعني من خداعك ، أنا وما أعلمه من قلبي.
وأنشد له في الطالع السعيد : [بحر الطويل]
فلا تظهرن ما كان في الصّدر كامنا |
|
ولا تركبن بالغيظ في مركب وعر |
ولا تبحثن في عذر من جاء تائبا |
|
فليس كريما من يباحث في العذر |
وولي للموحدين أعمالا كثيرة بمراكش وسلا وإشبيلية وغرناطة ، واتصلت ولايته على أعمال غرناطة ، وكان من شيوخها وأعيانها ، وكتب عليه عقد أن في داره من الحلى وأصنافه ما لا يمكن إلا في دار الملك ، وأنه إذا ركب في صلاة الصبح شوش عليه (٣) نباح الكلاب ، فأمر المنصور بالقبض عليه وعلى ابن عمه صاحب أعمال إفريقية أبي الحسن سنة ٥٩٣ ، ثم رضي عنهما ، وأمر محمد بن عبد الملك أن يكتب بخطه كل ما أخذ منه (٤) ، فصرفه عليه ، ولم ينقص منه شيئا ، وغرم له ما فات منه ، وهذا مما يدل على قوة سعد محمد بن عبد الملك المذكور ونباهة قدره ، وحسبه من الفخر مدح أديب الأندلس وشاعرها أبي عبد الله الرصافي (٥) له ، وهو ممن يمدح الخلفاء في ذلك العصر ـ رحمه الله تعالى ـ.
وولد أبوه عبد الملك بن سعيد عام ستة وتسعين وأربعمائة ، وتوفي بحضرة مراكش عام اثنين وستين وخمسمائة. قال الحجاري : لما مات يحيى بن غانية الملثّم ملك الأندلس بحضرة
__________________
(١) كتاب الروض الأنف.
(٢) في ب ، ه : «أذفونش».
(٣) «عليه» ساقطة في ب.
(٤) في ب : «له».
(٥) أبو عبد الله محمد بن غالب الرصافي. شاعر أكثر من مدح الخلفاء (انظر ترجمته في المغرب ج ٢ ص ٢٩٧ والتكملة ص ٥٢٠).