إلى اليراع (١) ، ونفرده فيه بالاجتماع ، وما يتعاطاه من منّة الذراع (٢) ، وأن نشدّ بردء من المشافهة أزره ، ونعضد بمعين من اللسان أمره ، فعيّنّا لذلك من يفسّر منه المجمل ويمهد المقصد المعمل ، حتى يجمع بين أغراض البر ، والعلن منه والسر ، ويقيم شتّى الأدلة على الوداد المستقر ، ووجّهنا في غرض الرسالة به إليكم ، واخترنا لشرحة بين يديكم ، خطيب الوفود ، وبركة المشايخ في هذا المقام المحمود ، الشيخ الجليل الشهير الكبير الصالح الفاضل أبا البركات ابن الحجاج (٣) ـ وصل الله حفظه! ـ وأجزل من الحمد واللطف حظّه! ـ وهو البطل الذي لا يعلّم الإجالة في الميدان ولا يبصّر بوظائف ذلك الشان ، ومرادنا منه أن يطيل ويطيب ، ويجيل في وصف محاسنكم اللسان الرّطيب ، ويقرر ما عندنا لمقامكم من التشيع الذي قام على الحب المتوارث أساسه ، واطرد حكمه وأنتج قياسه ، وليجعل تلو مقصد الهناء ، بمجلسكم الباهر السناء ، الصارف إلى الجهاد في سبيل الله والفناء ، وجه التهمّم والاعتناء ، على مر الآناء ، ما تجدد لدينا من الأنباء في جهاد الأعداء ، وإن كان رسولكم ـ أعزه الله تعالى! ـ قد شارك في السرى والسير ويمن الطّير ، وأغنى في الحكاية عن الغير ، فلا سرف في الخير ، وهو أننا لما انصرفنا من منازلة قرطبة نظرا للحشود التي نفدت معدّات أزوادها ، وشابت بهشيم الغلّة المستغلّة مفارق بلادها ، وإشفاقا لفساد أقواتها ، بفوات أوقاتها ، رحلنا عنها وقد انطوينا من إعفاء أكثر تلك الزروع ، المائلة الفروع ، الهائلة الروع ، على همّ ممض ، وأسف للمضاجع مقضّ ، إذ كان عاذل المطر يكف ألسنة النار عن المبالغة في التهابها ، وحلاق إهابها ، ونفض أغوارها ، ونهب شوارها ، وإذاعة أسرارها ، وهي البحور المتلاطمة ، إذا حطمتها الرياح الحاطمة ، واللجج الزاخرة ، إذا حركتها السوافي الماخرة ، تود العيون أن تتحدى حدودها القاصية فلا تطيق ، والركائب الراكضة أن تشرف على غايتها فيفضل عن مراحلها الطريق ، قد جللها الربيع أرزاقا تغص بها الخزائن والأطباق ، وحبوبا مفضلة لا يرزؤها الإنفاد والإنفاق ، ولو اعتصت على انتسافها الآفاق ، فخففنا في سبيل الله غزو تلك الأقطار المخالفة ، بمحق الصائفة ، وإعانة تلك الطائفة ، بكلوم المجاع الجائفة (٤) ، خفوفا لم نقنع فيه بالاستنابة ، حرصا على استئصال الصّبابة ، وأعفينا الرجل من اتصال الكد ، وقابلنا قبولهم على استصحابنا فيها
__________________
(١) اليراع : القلم.
(٢) منة الذراع : قوته.
(٣) هو محمد بن محمد بن إبراهيم بن محمد بن إبراهيم بن خلف أبو البركات السلمي البلفيقي قاضي الجماعة بغرناطة ، إمام صالح أديب عالم. ولد سنة ٦٨٠ ه. ونشأ بالمرية وقرأ القراءات بالأندلس وتوفي في سنة ٧٧٠ ه. (غاية النهاية في طبقات القراء ج ٢ ص ٢٤٥ ـ ٢٣٦ وتاريخ قضاة الأندلس ص ١٦٤).
(٤) الجائفة : النافذة إلى الجوف.