صار المثل مضروبا به ، والذي ذكره غير واحد أنه لم يزل كل خليفة يزيد فيه على من قبله إلى أن كمل على يد نحو الثمانية من الخلفاء.
وقال بعض المؤرخين : إن عبد الرحمن الداخل لما استقر أمره وعظم بنى القصر بقرطبة ، وبنى المسجد الجامع ، وأنفق عليه ثمانين ألف دينار ، وبنى بقرطبة الرّصافة تشبيها برصافة جده هشام بدمشق.
وقال بعض : إنه أنفق على الجامع ثمانين ألف دينار ، واشترى موضعه إذ كان كنيسة بمائة ألف دينار ، فالله تعالى أعلم.
وقال بعض المؤرخين (١) في ترجمة عبد الرحمن الداخل ما صورته : إنه لما تمهد ملكه شرع في تعظيم قرطبة ، فجدد مغانيها ، وشيد مبانيها ، وحصنها بالسور ، وابتنى قصر الإمارة والمسجد الجامع ، ووسع فناءه ، وأصلح مساجد الكور ، ثم ابتنى مدينة الرّصافة منتزها (٢) له ، واتخذ بها قصرا حسنا ، وجنانا واسعة ، نقل إليها غرائب الغراس وكرائم الشجر من بلاد الشام وغيرها من الأقطار ، انتهى.
وكانت أخته أم الأصبغ ترسل إليه من الشام بالغرائب ، مثل الرمان العجيب الذي أرسلته إليه من دمشق الشام كما مر ، وسيأتي كلام ابن سعيد بما هو أتم من هذا.
ولما ذكر ابن بشكوال زيادة المنصور بن أبي عامر في جامع قرطبة قال : ومن أحسن ما عاينه الناس في بنيان هذه الزيادة العامرية أعلاج النصارى مصفّدين في الحديد من أرض قشتالة وغيرها ، وهم كانوا يتصرفون في البنيان عوضا من رجّالة المسلمين ، إذ لالا للشرك وعزة للإسلام ، ولما عزم على زيادته هذه جلس لأرباب الدور التي نقل أصحابها عنها بنفسه ، فكان يؤتى بصاحب المنزل فيقول له : إن هذه الدار التي لك يا هذا أريد أن أبتاعها (٣) لجماعة المسلمين من مالهم ومن فيئهم لأزيدها في جامعهم وموضع صلاتهم ، فشطّط واطلب ما شئت ، فإذا ذكر له أقصى الثمن أمر أن يضاعف له ، وأن تشترى له بعد ذلك دار عوضا منها ، حتى أتى بامرأة لها دار بصحن الجامع فيها نخلة ، فقالت : لا أقبل عوضا إلا دارا بنخلة ، فقال: تبتاع لها دار بنخلة ، ولو ذهب فيها بيت المال ، فاشتريت لها دار بنخلة ، وبولغ في الثمن ، وحكى ذلك ابن حيان أيضا.
__________________
(١) المؤرخين : غير موجودة في ب.
(٢) في ب : متنزها له.
(٣) في ب : نريد ابتياعها.