بِهِ وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٢) وَقَدْ كَفَرُوا بِهِ مِنْ قَبْلُ وَيَقْذِفُونَ بِالْغَيْبِ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ (٥٣))
لما جاءهم التعريض بالتهديد من لازم المتاركة المدلول عليها بقوله : (فَإِنَّما أَضِلُّ عَلى نَفْسِي وَإِنِ اهْتَدَيْتُ فَبِما يُوحِي إِلَيَّ رَبِّي) [سبأ : ٥٠] للعلم بأن الضال يستحق العقاب أتبع حالهم حين يحلّ بهم الفزع من مشاهدة ما هدّدوا به.
والخطاب للنبي صلىاللهعليهوسلم تسلية له أو لكل مخاطب. وحذف جواب (لَوْ) للتهويل. والتقدير : لرأيت أمرا فظيعا.
ومفعول (تَرى) يجوز أن يكون محذوفا ، أي لو تراهم ، أو ترى عذابهم ويكون (إِذْ فَزِعُوا) ظرفا ل (تَرى) ويجوز أن يكون (إِذْ) هو المفعول به وهو مجرد عن الظرفية ، أي لو ترى ذلك الزمان ، أي ترى ما يشتمل عليه.
والفزع : الخوف المفاجئ ، وقال النبي صلىاللهعليهوسلم للأنصار : «إنكم لتكثرون عند الفزع وتقلّون عند الطمع». وهذا الفزع عند البعث يشعر بأنهم كانوا غير مهيّئين لهذا الوقت أسباب النجاة من هوله.
والأخذ : حقيقته التناول وهو هنا مجاز في الغلب والتمكن بهم كقوله تعالى :(فَأَخَذَهُمْ أَخْذَةً رابِيَةً) [الحاقة : ١٠]. والمعنى : أمسكوا وقبض عليهم لملاقاة ما أعد لهم من العقاب.
وجملة (فَلا فَوْتَ) معترضة بين المتعاطفات. والفوت : التفلت والخلاص من العقاب ، قال رويشد الطائي :
إن تذنبوا ثم تأتيني بقيتكم |
|
مما علي بذنب منكم فوت |
أي إذا أذنبتم فجاءت جماعة منكم معتذرين فذلك لا يدفع عنكم جزاءكم على ذنبكم.
وفي «الكشاف» : «ولو ، وإذ ، والأفعال التي هي فزعوا ، وأخذوا ، وحيل بينهم ، كلها للمضيّ ، والمراد بها الاستقبال لأن ما الله فاعله في المستقبل بمنزلة ما كان ووجد لتحققه» ا ه. ويزداد عليها فعل (وَقالُوا).
والمكان القريب : المحشر ، أي أخذوا منه إلى النار ، فاستغني بذكر (مِنْ) الابتدائية