عن ذكر الغاية لأن كل مبدأ له غاية ، ومعنى قرب المكان أنه قريب إلى جهنم بحيث لا يجدون مهلة لتأخير العذاب.
وليس بين كلمتي (قَرِيبٍ) هنا والذي في قوله : (إِنَّهُ سَمِيعٌ قَرِيبٌ) [سبأ : ٥٠] ما يشبه الإيطاء في الفواصل لاختلاف الكلمتين بالحقيقة والمجاز فصار في الجمع بينهما محسّن الجناس التام.
وعطف (وَقالُوا) على (وَأُخِذُوا) أي يقولون حينئذ : آمنّا به.
وضمير (بِهِ) للوعيد أو ليوم البعث أو للنبي صلىاللهعليهوسلم أو القرآن ، إذا كان الضمير محكيا من كلامهم لأن جميع ما يصحّ معادا للضمير مشاهد لهم وللملائكة ، فأجملوا فيما يراد الإيمان به لأنهم ضاق عليهم الوقت فاستعجلوه بما يحسبونه منجيا لهم من العذاب ، وإن كان الضمير من الحكاية فهو عائد إلى الحق من قوله : (قُلْ إِنَّ رَبِّي يَقْذِفُ بِالْحَقِ) [سبأ : ٤٨] لأن الحقّ يتضمن ذلك كله.
ثم استطرد الكلام بمناسبة قولهم (آمَنَّا بِهِ) إلى إضاعتهم وقت الإيمان بجملة (وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ) إلى آخرها.
و (أَنَّى) استفهام عن المكان وهو مستعمل في الإنكار.
و (التَّناوُشُ) قرأه الجمهور بواو مضمومة بعد الألف وهو التناول السهل أو الخفيف وأكثر وروده في شرب الإبل شربا خفيفا من الحوض ونحوه ، قال غيلان بن حريث :
باتت تنوش الحوض نوشا من علا |
|
نوشا به تقطع أجواز الفلا |
يتحدث عن راحلته ، أي تتناول الماء من أعلاه ولا تغوص مشافرها فيه.
وجملة (وَأَنَّى لَهُمُ التَّناوُشُ مِنْ مَكانٍ بَعِيدٍ) مركب تمثيلي يفيد تشبيه حالهم إذ فرطوا في أسباب النجاة وقت المكنة منها حين كان النبي صلىاللهعليهوسلم يدعوهم ويحرضهم ويحذرهم وقد عمرهم الله ما يتذكر فيه من تذكر ثم جاءوا يطلبون النجاة بعد فوات وقتها بحالهم كحال من يريد تناوشها وهو في مكان بعيد عن مراده الذي يجب تناوله.
وهذا التمثيل قابل لتفريق أجزائه بأن يشبه السعي بما يحصل بسرعة بالتناوش ويشبه فوات المطلوب بالمكان البعيد كالحوض.
وقرأ أبو عمرو وحمزة والكسائي وأبو بكر عن عاصم وخلف بالهمزة في موقع الواو