وأما (جاعِلِ) فيطلق بمعنى مكوّن ، وبمعنى مصيّر ، وعلى الاعتبارين يختلف موقع قوله : (رُسُلاً) بين أن يكون مفعولا ثانيا ل (جاعِلِ) أي جعل الله من الملائكة ، أي ليكونوا رسلا منه تعالى لما يريد أن يفعلوه بقوتهم الذاتية ، وبين أن يكون حالا من (الْمَلائِكَةِ) ، أي يجعل من أحوالهم أن يرسلوا. ولصلاحية المعنيين أوثرت مادة الجعل دون أن يعطف على معمول (فاطِرِ).
وتخصيص ذكر الملائكة من بين مخلوقات السماوات والأرض لشرفهم بأنهم سكان السماوات وعظيم خلقهم.
وأجري عليهم صفة أنهم رسل لمناسبة المقصود من إثبات الرسالة ، أي جاعلهم رسلا منه إلى المرسلين من البشر للوحي بما يراد تبليغهم إياه للناس.
وقوله (أُولِي أَجْنِحَةٍ) يجوز أن يكون حالا من (الْمَلائِكَةِ) ، فتكون الأجنحة ذاتية لهم من مقومات خلقتهم ، ويجوز أن يكون حالا من الضمير في (رُسُلاً) فيكون خاصة بحالة مرسوليتهم.
و (أَجْنِحَةٍ) جمع جناح بفتح الجيم وهو ما يكون للطائر في موضع اليد للإنسان فيحتمل أن إثبات الأجنحة للملائكة في هذه الآية وفي بعض الأحاديث المروية عن النبيصلىاللهعليهوسلم حقيقة ، ويحتمل أنه استعارة للقوة التي يخترقون بها الآفاق السماوية صعودا ونزولا لا يعلم كنهها إلّا الله تعالى.
و (مَثْنى) وأخواته كلمات دالّة على معنى التكرير لاسم العدد التي تشتق منه ابتداء من الاثنين بصيغة مثنى ثم الثلاثة والأربعة بصيغة ثلاث ورباع. والأكثر أنهم لا يتجاوزون بهذه الصيغة مادة الأربعة ، وقيل : يجوز إلى العشرة. والمعنى : اثنين اثنين إلخ. وتقدم قوله : (أَنْ تَقُومُوا لِلَّهِ مَثْنى وَفُرادى) في سورة سبأ [٤٦].
والكلام على (أُولِي) تقدم.
والمعنى : أنهم ذوو أجنحة بعضها مصففة جناحين جناحين في الصف ، وبعضها ثلاثة ثلاثة ، وبعضها أربعة أربعة ، وذلك قد تتعدد صفوفه فتبلغ أعدادا كثيرة فلا ينافي هذا ما ورد في الحديث عن عبد الله بن مسعود : «أن النبي صلىاللهعليهوسلم رأى جبريل له ستمائة جناح».
ويجوز أن تكون أعداد الأجنحة متغيرة لكل ملك في أوقات متغيرة على حسب المسافات التي يؤمرون باختراقها من السماوات والأرضين. والأظهر أن الأجنحة للملائكة